كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:
خارج التغطية؛ كلمات في حق الإعلام أشبه بالموت الإكلينيكي، لكنه الواقع مع قصف الأراضي الفلسطينية؛ صمت يتبعه أخبار على استحياء تشير لوجود غارات، مقابل قذائف تهوى على البيوت تحولها ركام في عملية ''الجرف الصامد'' التي بدأتها قوات الاحتلال الاسرائيلي منذ أيام، تسلسل تصاعدي وتنازلي ظهر على الشاشات، خفوت كلمة القضية الفلسطينية مقابل صعود نبرة الحديث عن ''قطاع غزة'' و''حماس''، اختزال الأمر وصبه في الجعبة السياسية على حساب المواطن الفلسطيني.
''أطالب الجيش المصري بضرب هذه المعسكرات في غزة مش عايزين حاجة تجيلنا من عندهم..اللي يموت يموت هناك..لا هنعالج ولا عايزين حد يدخل عندنا..اضرب حماس'' كلمات أطل بها المذيع أحمد موسي ببرنامجه في مطلع هذا العام، وعلى نهجها سار بعض الصحفيين والإعلاميين حال عزة سامي نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام في تغريدة لها على تويتر بينما تُقصف العديد من المناطق الفلسطينية ''كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر من أمثالك للقضاء على حماس أس الفساد والخيانة والعمالة الإخوانية''.
لم تسكن الكلمات شاشات التلفاز فقط، بل أضحت صورة مرسخة في أذهان البعض، تكررها الألسن ''مصر منورة بأهلها وغزة منورة بكهرباء مصر''، صارت فلسطين قضية تخابر متهم بها محمد مرسي الرئيس الأسبق، حماس المسلحين، الأنفاق المهربة لكل ما هو مصري، والمعبر الذي يريد الفلسطينيون تجاوزه إلى سيناء.
''أي حاجة بتحصل بمصر إحنا السبب فيها.. لو واحد مات بسوهاج هيقولوا أهل غزة''، قال محمد حسين ذو العشرين عامًا، يركن الشاب الفلسطيني إلى وسائل الإعلام بينما تتعالى أصوات القصف، يتابعها علّه يعرف أحوال بقية الأهل بمدينة غزة، في منطقة ''النصيرات'' يقطن مع والدته والإخوة، تنتهي حرب وتأتي أخرى وهم بين أذرع الاحتلال، يقاومونه قدر المستطاع، يرون الأحباب تسيل دماؤهم في صور تبثها قنوات فلسطينية أو مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعد الإعلام المصري في حسبان الأسرة الصغيرة ''لأنه ما بقى بيهتم بقضيتنا''، يوجعهم الموت ويقصم التجاهل الإعلامي ظهر قضيتهم.
حالة من الاستياء تسيطر على ''حسين''، لا ترتبط فقط بعدم الاهتمام الضخم من الإعلام بعمليات القصف التي بدأتها إسرائيل منذ عدة أيام، بل تشويه الفلسطينيين ولو بشكل غير متعمد ''من وقت مرسي وبعد الثورة صرنا كلنا حمساويين فجأة عند التليفزيون المصري''، أكثر من مرة نزل فيها الطالب الفلسطيني إلى مصر، لم يسلم الأمر من توجس بعض مَن لاقوه ''نفوس المصريين بعضها اتغير من ناحيتنا بسبب كدب الإعلام للأسف..مع إننا إخوات''.
قبل خمس سنوات بدأت موجة التغيير، مَن يبحث في المضمون الموجه في الإعلام تجاه فلسطين سيدرك الأمر إذا ما قارنه بفترة الستينيات أو السبعينيات ''كم مرة صرنا مثلاً نقول غزة وكم مرة نقول فلسطين'' على حد تعبير أيمن الصياد –الكاتب الصحفي- في مقال له تحت عنوان ''في الدفاع عن القضية'' المنشور بتاريخ 24 مارس 2013.
سعاد ياسين من آل غزة، عايشت حال الإعلام المصري عندما كان أفضل في عام 2008، على حد قولها ''على الأقل وقتها كان هو وسيلة اتصالنا بالعالم الآخر دلوقتي مبيحصلش''، في هذه الأيام لم تعد السيدة الفلسطينية تأبه لما يُقدمه الإعلام ''أهم شيء الغارات وبقية أهلنا بغزة''، يقتلها الخوف على أطفال العائلة الموجودين معها بنفس المنزل ''عندنا مؤونة طعام بتكفي لعشر أيام.. ومش عارفين نخرج..ما بعرف لما بتخلص هنعمل ايه''.
''في ذكرى العاشر من رمضان يرد الإسرائيليون بما يثبت عجز الجميع'' قال ''الصياد'' موضحًا أن الإعلام يستعيد شرعية أكتوبر قبل العاشر من رمضان بأيام ويتجاهل أن ما يجري على حدود مصر الشرقية شديد الصلة بهذه الشرعية، وينسى أن احتفاءه بمشاهد العبور لابد أن تذكره بمن هو العدو على حد قوله، مؤكدًا أن ''الحمقى'' من طرفي الصراع السياسي والإعلامي في مصر هم من أوصلونا لهذه الحالة من اختزال القضية الفلسطينية دون الانتباه إلى خطورة ذلك.
''هو أحنا أصلا كنا متحكمين في البلد..ده أحنا كنا سايبنها لحماس وغزة'' تفاجأت سارة عمرو بكلمات إحدى السيدات أثناء تواجدها ووالدتها في عيادة طبيب ودار حديث بين الحضور عن أحوال البلاد بعد الثورة، كان ذلك قبل عام، استنتجت طالبة الماجستير أن المتحدثة استاقت كلامها من الإعلام، فقد لمست الفتاة العشرينية تغييرًا في الحديث الإعلامي عن القضية الفلسطينية ''بقى الكلام عن مصر وحدودها مش عن القضية وإحساس العروبة''.
مشاركة ''سارة'' في دعم فلسطين من خلال لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب منذ الحرب على غزة عام 2008، والنشاط الذي وجدته بالشارع جعلها تجد التناول الإعلامي من حينها ''بقي في روتينية..الأخبار إن في قصف وخلاص''.
عام واحد رصد فيه محمود عمر رد الفعل تجاه فلسطين، شارك الطبيب الشاب في قوافل دعم فلسطين 2012، لم تكن دراسته وحدها الدافع له بل إيمانه بالقضية ذاتها ''رد الفعل الرسمي متشابه لا يخرج عن اللاموقف أما الفرق رد الشارع مافيش حد خرج لجمع التبرعات أو التعاطف''، مقسمًا الإعلام وقت رحلته إلى غزة ما بين الرسمي والذي كان الصوت الأعلى به ''أن فتح المعابر عشان المواد الغذائية والأدوية في حين أن الشعب المصري محتاج'' في وقت كانت مواقع التواصل الاجتماعي تدوي بثورية.
تغير موقف الإعلام في نظر الطبيب من عام 2008 التي شارك بها في مظاهرات دعم فلسطين التي اجتاحت الجامعات إلى جانب النشاط التطوعي المادي ''كانت فقط تنقل الأخبار'' متذكرًا على سبيل المثال دور إذاعة صوت العرب، بينما يرى أن التهميش وعلو صوت اقتران الإرهاب بـ''غزة'' هو السائد ''السنة اللي فاتت ماتركتش للمواطنين فرصة للتعاطف..دخلنا في حالة كره عام''.
اعتبر محمود خليل أستاذ الصحافة، بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن تعامل الإعلام المصري مع القصف الحالي في غزة هو استمرار لمسلسل ''الهوس'' الذي أصابه خلال السنة الماضية، إذ أصبح لا يُفرق بين المواطنين المدنيين وتنظيم حماس، واستخدام أسلوب التعتيم على القضية باختصارها في سكان غزة فقط بينما القصف يطول بعض أهالي الضفة بالإضافة للاعتداءات على عرب 48.
ووصف ''خليل'' الخطاب الإعلامي حاليًا بـ''المريض'' قائلاً ''لما نلاقي حد من الإعلام المصري طالع بيشمت وبيشجع إسرائيل إنها تسحق حماس ولو على حساب المدنيين يبقى اسمه إيه''، معتبرًا ما يجري بغزة مرتبط تمامًا بعمق مصر الاستراتيجي وأمنها القومي خاصة إذا قررت إسرائيل اجتياحها بشكل بري ''لكن الإعلام لا يُدرك ذلك''.
إسرائيل: تكثيف الرد على اعتداءات حماس وسائر التنظيمات في غزة