كتبت - إشراق أحمد:
بين ركاب "ميكروباص"، مروًرا على "فرشة" بضاعة، علامات امتعاض تغزو الوجه فجأة، بعد حركة يد سريعة سابقة إلى الجيب "ليه ماهي كانت بـ2 جنيه"، كلمات متبادلة مع سائق، وأخرى مع بائع، وحيدًا يحتد صوت في حين يستسلم الجمع "معلش هنعمل إيه؟"، أو يتشارك الجميع فيفصل الأمر صوت القائد "اللي مش عجبه ينزل"، بينما يعزف البعض عن الشراء تاركًا آخرين يضربون الكف بالكف، في جانب آخر تتجاوز الكلمات الألسن وتتولى الأيدي بالتطاول الحديث، دائرة يضيق خناقها شيئًا فشيئًا، في فلكها يقبع مواطن تخرج عليه الحكومة متحدثة عن مراعاة محدودي الدخل والفقراء في الوقت الذي تلاحقه أينما ذهب عبارة "البنزين غلي".
ليست المرة الأولى التي يواجه بها المواطن المصري غلاء الأسعار، لكن مع ثورة الخامس والعشرين وأولى مطالبها "عيش"، طال الأمل البعض في تغيير الأحوال بعد سنوات طوال وصل بها حال الأسعار والحصول على رغيف خبز إلى الحديث عن وقائع قتل، بدءً من عام 1977، والسنوات الأخيرة في عهد حسني مبارك.
طيلة ثلاثة سنوات تخرج حكومات متعاقبة متحدثة عن اقتصاد ضعيف للبلاد، وأما الحل فلم يخرج عن "الدعم" تلك الوسيلة المستخدمة لسنوات، داعبتها أول حكومة مكلفة بعد انتخابات رئاسية حيث أعلنت حكومة "هشام قنديل" عن النية في خفض الدعم عن بعض السلع في وقت لم يخل الحديث عن استحالة الاقتراب مما يزيد معاناة المواطنين، لكن ديسمبر 2012 شهد التصريح بزيادة الضراب على بعض السلع مما رفع الأسعار لكن القرار تم التراجع عنه.
سقط نظام بعد عام واحد، تولى "عبد الفتاح السيسي" رئاسة البلاد، شكلت حكومة وفي خلفيتها كلمة رئيس أعلن أن "الدعم للفقراء"، مطالبًا التكاتف من أجل أن "تحيا مصر" منفعلاً في إحدى اللقاءات التليفزيونية "ولا هتكلوا مصر يعني"، ليستيقظ المواطنون صباح السبت المنصرف على ارتفاع بالأسعار أينما ذهبوا، حكومة "محلب" قررت تطبيق خفض الدعم عن المواد البترولية، في الوقت الذي يخرج المتحدث باسم مجلس الوزراء "حسام القاويش" مصرحًا أن الفقراء لن يتأثروا بارتفاع سعار البنزين والسولار لأنهم لا يمتلكون سيارات، وأن معدل الفقر كان زائدًا بالأعوام الماضية التي كان يزداد بها الدعم بالمقابل وهذا يعني أن الدعم لا يصل إلى الفقراء.
"مابنلاقيش بنزين 80 وكمان مابقاش في 90 فبنحط 92" قال عادل عبد العزيز منظم السواقين في موقف المطبعة، موضحًا أن جميع السائقين رفعوا الأجرة "نص جنيه" بعد ارتفاع أسعار البنزين "اللي كان بيحط بـ40 و50 بقى 120"، احتكاكات بين الحين والأخر يشهدها "عبد العزيز" لكن "الناس بتدفع في النهاية وتقول حسبي الله ونعم الوكيل"، علامات الضيق لا تفارق الشاب الثلاثيني يجد أن السائقين غالوا في رفع الأجرة "كان المفروض ربع جنيه" لكن الحيرة لا تلبث أن تلاحقه "لكن هم هيعملوا ايه والناس كمان مالهاش ذنب لكن أهو الطين كله بيشيله الناس"، مؤكدًا ارتفاع سعر الزيت رغم عدم التصريح بذلك.
احتكاك "ميرفت أمين" مع احتياجات منزلها والعمل في مجال بيع "كوتشيات وشباشب"، جعلها بين شقي رحى البائع والمشتري، يومان بات لا ينقطع نظرها عن "خناقات طول النهار والليل" بسبب الأسعار، بينما تلتزم الصمت بعد ما تيقنت بنفسها ارتفاع الأسعار "مكنتش مصدقة غير لما روحت وشوفت بعيني"، ما جادلت بائع الخضار "الخيار بقى بـ5 جنيه"، ولا القماش "متر ملاية كان بـ9 جنيه بقى بـ14"، حتى البضاعة التي تعرضها زاد سعرها "شبشب كان آخره 20 جنيه بقى 25 جنيه"، وهذا يعني زيادة أخرى من أجل المكسب يتحملها المشتري الذي أصبح "يبص على الحاجة ويمشي"، فالجميع مجبور على حد قول السيدة الأربعينية.
ست أبناء لدى "ميرفت" التي تردد بين الحين والأخر أنها تؤيد "السيسي" لكن لم تعد تستطيع الرد على من يهاجمونه الآن "بقول لنفسي يمكن عايز يعمل حاجة والناس مش فاهمة" مؤكدة أن الأسعار طالما شهدت موجة ارتفاع ومن ثم هبوط مرة أخرى لكن تلك المرة الغلاء مصير بات دائم والضيق حال الجميع "كل حاجة غليت والناس بتعض في نفسها".