كتبت- ندى سامي:
نشأ على حب الكنيسة وفي أحضانها لم يكن عالمًا فلكيًا أو رياضيًا فحسب بل كان مفكرا وفيلسوفا ورجل دين.
يصطحب البابا في ليلٍ مقمرا يتأملا إبداع الخلق في الفضاء الكوني، عبر تلسكوبه الجديد ويصلوا شكرًا على نعمه فيزدادوا إيمانًا وورعًا، وتارة أخرى تعلو صيحاتهم في احتدام حول مناقشة علمية عادة ما تجري بين العلماء.. العالم الإيطالي جاليليو جاليلى، الذي عصفت به الرياح بما لا تشتهيه سفينته وأودت به إلى السجن والإقامة الجبرية.
''الكتاب المقدس هو كتاب كيف تستعد للذهاب للسماء، وليس كتابا عن السماء وكيف تدور'' عبارة جاليليو التي فتحت السجال بينه وبين رجال الدين، فرأيه كان ضد علماء الدين، وليست في الكتاب المقدس كما ادعوا ضده، بالملاحظة والتجربة عن طريق التكنولوجيا الجديدة للتلسكوب، أثبت خطأ نظرية أرسطو حول الحركة، وأثبت أن الأرض تدور حول الشمس، فاعتبرت آرائه طعن في المؤسسة الكنسية التي كانت تسلم بآراء أرسطو، محتجين أن ما يدعوا إليه يخالف تفسيرهم في بعض الآيات بالإضافة أنه في ذلك الوقت كانت تعيش الكنيسة في صراع وتحدي سياسي متواصل يقابله صعود مذهب البروتستانتية.
صداقته مع البابا أروربان الثامن رفيق رحلته الافتراضية إلى الفضاء الكوني، لم تشفع له وذهبت بسبب الضغوط التي وجهت للبابا بالإضافة إلى المرحلة السياسية الصعبة التي كانت تمر بها روما ففقد جاليليو ونيسه الذي يحميه ويدافع عنه، فحكمت عليه المحكمة بعد سنوات من المراقبة بالسجن، بعد اتهامه ''بالهرطقة'' من أجل إرضاء خصومه المحافظين على الفكر الكنسي، والمتنعمين في بلاط البابوية المقدس الذي لا يسمح لأحد المساس به.
الإقامة الجبرية كانت الحكم المخفف الذي لاذ به جاليلي، فقبع في منزله وتفرغ للعلم بعيدًا عن صراع رجال الدين وتمسكهم بالمحافظة وعدم الشروع في التجديد، فانعزل عن عالمه الذى استقصاه وبدأ في دراسة حركة أقمار المشتري واتخاذها كأداة لقياس الزمن من أجل حل مشكلة خطوط الطول، ولكنه لم ينجح في تفسيرها، لم ييأس ولم تشغله عزلته بل استغلها وحول التلسكوب إلى الميكروسكوب، وكان يراقب الأشياء بالمجهر مجرد مراقبة، ليوسع دائرة معارفه التي كان يتطلع بألا تنتهي.
''أبو العلم الحديث'' هو حصيلة الجوائز التى حصدها، بعد رحيله نظير فترة إقامته القهرية، وتأليفه عده كتب ومنها كتاب عن علم حركة الغازات وصلابة المادة، والذى نال استحسان ومدح أينشتاين فيما بعد، واعترف بقدر العالم الجليل بعد أن أُثبت صحة نظرياته، التي تؤول لمئات السنوات والذي كان ينادي بها، ودفع بصره ضريبة إصراره لإقناع من حوله بصحتها، برغم تعنت الظروف ضده والتي حالت بينه وبين مواكبة مسيرته، إلى أن سمح له بالسفر للعلاج.
تمثال من جرانيت وسط حديقة الفاتيكان بعد أكثر من ثلاثة عقود على أرض روما معقل جاليليو جليليى، نتاج 68 سنة من الكفاح في ساحة العلم، بعد اعترف البابا جان بول الثانى فى عام 1992 وبعد 13 عاماً من البحث والدراسة أن الكنيسة البابوية أخطأت عندما رفضت الاعتراف باكتشاف جاليليو أن الأرض تدور حول الشمس فقررت أكاديمية العلوم البابوية تكريم العالم الجليل.
''الأراجوز''.. صانع الحكايات الذي تحولت ملابسه إلى صيحة عالمية