كتبت- رنا الجميعي:
أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول.. هو ما قاله الشاعر ''محمود درويش''، لينطبق على ورقة صغيرة يُكتب بها أهدافًا واسعة وتتناولها الأيادي، ليضع عليها أحدهم اسمه، رقم بطاقته وتمنياته غير المرئية، ورقة إثر الأخرى، يتراصون بعضًا فوق بعض، تتشكل تلال من الورق، وحراك ثوري يُغير الرتابة، لتتبعه أحداثًا كبرى لم تكن في المخيلة.
ثلاث أحداث تمركزت حولها الورقة، أسست للإيمان بالوعي الجمعي للشعب، التوكيلات التي جمعها شباب ثورة 1919، بيان معًا سنغير الذي أطلقته الجمعية الوطنية للتغيير عام 2010، وورقة تمرد عام 2013، يقول ''صلاح عيسى''، الكاتب الصحفي، إن المطالبات الجماعية شائعة، حيث يحث الدستور نفسه على حق الشعب بمخاطبة السلطات عبر مطالب يقدمونها.
لم تكن التوكيلات التي وقع عليها الناس في 1919 هي أولى الحركات الشعبية، قبلًا أثناء الثورة العرابية اجتمع مجلس ممثلًا عن شرائح المجتمع مطالبين بعزل الخديوي توفيق المهادن للإنجليز، وسميت الورقة بالمحضر الوطني، كما صرّح عيسى.
أما ظرف توكيلات 1919 فيؤكد ''عيسى'' أن تلك التوقيعات لم تكن لتحقق هدفها إلا بالشعب التي جاءت معبر عنه في ظروف تاريخية، وكانت مثلها حركة تمرد، فلم تكن تلك الحركات بمعزل عما يحدث حولها، وتجئ مكملة لأحداث تقع، حيث يفسر الكاتب الصحفي أنه قد ظهرت محاولات أخرى عبر التاريخ لتنفيذ مطالب إلا أنها باءت بالفشل لأنها لم تجد حماسًا لدى المواطنين.
جلاء المحتل البريطاني عن طريق ''أخبار اليوم''
يذكر ''عيسى'' محاولة أخرى بالتاريخ السياسي لمصر، منها إعلان أخبار اليوم لجمع توقيعات في الأربعينيات لجلاء المحتل البريطاني، وكانت الحملة عبارة عن بطاقة بالجريدة نفسها ومكتوبة باللغة الإنجليزية، يقوم المشارك بها بقطع البطاقة وإرسالها عبر البريد لمجلس الأمن، لكن الحملة لم تنجح كونها بالإنجليزية وحالت دون انتشار الدعوة، كما يقول الكاتب الصحفي.
''ليه انت محتاج توقع على البيان'' .. إذا ما فكرت في البحث عن بيان الجمعية الوطنية للتغيير القائم في عام 2010 على الانترنت، ستجده مازال موجودًا بكلمة للدكتور ''محمد البرادعي''، بيان ''معًا سنغير'' الذي جاء كشربة ماء وسط العطش، في عام تثاقلت فيه الأحداث السياسية والحديث عن رفض التوريث، وطالب البيان بعدة مطالب كان من أهمها؛ إنهاء حالة الطوارئ، تمكين القضاء المصري من الإشراف الكامل على العملية الانتخابية، والرقابة على الانتخابات من قبل المجتمع المدني المحلي والدولي.
في عامه الأول بجامعة المنصورة، كانت الجمعية الوطنية للتغيير في 2010، تطرق إلى سمع ''محمد السيد'' من قِبل طلاب الإخوان عنها، ليلاقي وقعًا في نفسه ''كنت بشتم الدولة وقتها، وجه البرادعي صلى الجمعة في المنصورة''، ومن هنا جاء الحماس للانضمام للجمعية، وتوزيع البيان.
الأمل في التغيير
حتى قيام الثورة ظلّ ''السيد'' جزءًا من الحملة، يوزع ورق الجمعية على الناس بالشوارع في دمياط والمنصورة، لم يكن بالسهولة توزيع الورق، يقول ''فكرة إني مش مكمل دي مجتش على بالي، اللي اشتغل في العمل العام قبل الثورة عارف كده، وقتها مكنش من طموحتنا إن مبارك يمشي''، ويتابع ساخرًا ''الجيل المسيس بعد 25 يناير بقى عنده كمية يأس وإحباط رهيبة''.
رغم عدم استطاعة ''السيد'' على تجميع عدد توقيعات كبير، إلا أن الحملة سجلت مليون توقيعًا، وهو ما لم يتوقعه الطالب الجامعي ''أنا كنت متراهن لو نزل 25 ألف في 25 يناير هعمل عزومة''.
يقول ''عبد المنعم إمام''، أمين عام حزب العدل، ومسئول المحافظات بحملة البرادعي في ذلك الوقت، إن موقعه مكنه من متابعة التوقيعات بمختلف المحافظات، خطورة الورقة تمثلت في توقيع الشخص باسمه ورقم بطاقته عليها، موافقًا على المطالب المكتوبة بها، فلم يكن ذلك بالسهولة المنشودة، أما الشباب القائم على توزيع الورق فهو معرض للاعتقال في أي وقت، يحكي ''إمام'' عن المجموعات التي تشكلت بعدد من الأفراد، يقومون بطرق الأبواب ومخاطبة الناس بالشوارع، عن أهداف البيان، ولم تكن النتيجة في صالحهم دومًا، البعض خائف والآخر معارض لها، رغم ذلك مع الوقت زاد عدد الموقعين إلى أن بلغ مليون توقيع، ويؤكد ''إمام'' أن أثر تلك الحملة كان كبيرًا، حيث زاد عدد المشاركين بوقفات خالد سعيد فيما بعد، وكانت ضمن الأحداث المحركة لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
ورقة صغيرة تصنع أحداثًا كبيرة
موجة شعبية كبيرة استطاعت تفعليها حملة ''تمرد''، ''عشان الأمن لسة مرجعش مش عايزينك .. عشان لسه الفقير مالوش مكان مش عايزينك''، ورقة انقسمت لنصفين، النصف الأول تتحدث فيه عن المشاكل التي ألمت بها البلاد، والآخر لتوقيع المشارك بها، هي الورقة التي قام بتوزيعها ''محمد مصطفى'' بالإسكندرية، عامًا بلا إنجازات جعل خريج علوم سياسية بالمشاركة في حملة تمرد بمفرده دون الانضمام رسميًا إلا الحملة.
وجد أن كثير من أعضاء الحملة ينزلون الميادين العامة بالإسكندرية، لذا وطن على منطقته ''طوسون'' ليوزع بها، محيطه كان عائلته، لم يجد معارضين كُثر بها، اثنين يؤيدان الإخوان، أما البقية فمشاركين معه، حتى والده المعارض لنزوله المظاهرات، ساعده وتجاوب معه.
يقول ''مصطفى'' إن ورقة تمرد كانت رمزًا لنظام في طريقه للسقوط، وقد وجد أن مميزات تلك الورقة أنها تشجع الكثير ممن لا يشتركوا بالوقفات الاحتجاجية، وتلك الغالبية التي تحمست للتوقيع جعلته لا يجد الرقم المعلن من الحملة مفاجئًا له، أكثر من 20 مليون موقعين، فقد كانت وسيلة ناجحة لحشد الناس للنزول للثلاثين من يونيو.