كتبت- نيرة الشريف:
ظلت العلاقة بين محمد، الشاب الإخواني، وجماعة الإخوان المسلمين في أفضل حالاتها على الإطلاق حتى نهاية دراسته الجامعية، عندما تحطمت كل الآمال والطموحات التي بناها الطالب الجامعي تماما علي صخرة الجماعة الواقعية التي كانت أعنف كوابيس الفتي الطموح.
يقول محمد جمال عبد الحميد، 26 سنة، حاصل علي بكالوريوس تجارة، ويعمل حاليا كمالك ومدير لشركة استيراد وتجارة قطع غيار السيارات بالمنيا '' فوجئت أن الشباب ليس لهم أي دور حقيقي، وكل شيء بيد القيادات دون الرجوع لأحد، وقتها كنت مرتبط جدا بالقيادي دكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وكنت أشاهد كل لقاءاته وأحضر مؤتمراته، وأشعر بعمق الفجوة بين آرائه وبين واقع الإخوان الذي يهمش الشباب، وكان هو اللي بيهون عليّ مواقف الإخوان المخزية التي رأيتها أثناء الثورة وما بعدها، منها إن الإخوان منزلوش يوم 25 يناير، وتصريح المرشد الغريب إن الإخوان متبرئين من تعطيل الإنتاج والدعوات للتخريب.
وأضاف: ''كمان صدمتي لما بعض قيادات الإخوان سابوا الميدان والثورة وراحوا يتفاوضوا مع عمر سليمان، وقتها قلت مفيش راجل من قيادات الإخوان يطلع يعترض على الموقف ده؟ وبعد تنحى مبارك بدأت أحس إن مواقف الإخوان السياسية وتفاعلها مع الإنجاز العظيم ( الثورة ) لا يعبر عنى، فقررت البحث عن مسار سياسي جديد مع الاحتفاظ بعضويتي الدينية في جماعة الإخوان''.
حتى تلك اللحظة لم يكن محمد مدرك أنه لن يستطع أبدا أن يحتفظ بعضويته الدينية في الجماعة إذا قرر الخروج من عباءتها والعمل السياسي بعيدا عنها، وبإدراكه ذلك الأمر كانت المفاجأة القاصمة التي تسببت في انفصاله التام عن الجماعة، حينما وجد نفسه مخيرا بين الاستمرار في الجماعة وبين قناعاته وإيمانه الثوري بغد أفضل ''كانت القشة التي قضمت ظهر البعير بالنسبة لي هو ما حدث مع دكتور أبو الفتوح، فبعد إعلان الرجل نيته للترشح كنت متحمس جدا لمساندته ودعمه، وهو ما لم يرض الجماعة التي أصدرت تعليمات مشددة لأعضائها بالتخلي عن أبو الفتوح تماما، وتحذيرهم من حضور أي فاعلية تخصه، ووقتها كنت قد قررت عدم التخلي عن الرجل أبدا، فخيرني مسئول الإخوان بمحافظتي، في اجتماع مغلق بيني وبينه، بين الاستمرار في الجماعة أو دعم أبو الفتوح.. انصرفت بعد أن اخترت عقلي وإرادتي، وكان هذا أخر لقاء رسمي بيني وبين الإخوان''.
لا يختلف محمد كثيرا عن أحمد عبد الكريم، 25 عاما، خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية والذي عمل بعد التخرج بقصر ثقافة أسيوط وبدأ كمدرب للتنمية البشرية، وهو المعتقل الشهير في أحداث السفارة الإسرائيلية، كان الحدث الفاصل في حياة أحمد هي لحظة اعتقاله أثناء الاحتجاجات التي نشبت أمام السفارة الإسرائيلية في سبتمبر 2011، الحدث الذي غير حياته رأسا علي عقب ''أنا انفصلت تماما عن الإخوان في يناير 2012، وتحديدا بعد خروجي من المعتقل، ففي فترة حبسي لم أر من الإخوان سوي أثنين من المحاميين فقط، ولم أر من الجماعة أي دعم مادي ولا حتى معنوي من أي نوع، القضية اللي كنت مسجون بسببها هي قضية سياسية تحتاج لضغط كبير عشان أخرج، لكن من تولي الضغط هذا كانوا أصدقائنا في الحركات السياسية الأخرى.
وتابع: ''هما اللي عملوا مظاهرات ونظموا وقفات احتجاجية، حتى يوم صلاة العيد طلعوا وقفة احتجاجية بالملابس السوداء وكان عنوانها ''مش حاسين بالعيد واخواتنا في السجون..الحرية لأحمد عبد الكريم.''.
قبلها كان أحمد قد قضى نحو 22 عاما من عمره كعضو إخواني منتمي للتنظيم حتى الثمالة ''أنا معرفش بقيت إخوان من امتي بالضبط، لأني اتولدت لقيت نفسي إخوان، كان أبويا وأمي من الجماعة فبقيت منها أنا كمان بالتبعية''.
وبالرغم من اعتراض أحمد علي كثير من القرارات والأفعال داخل التنظيم قبل الخروج منه، إلا إنه لم يستطع بسهولة أن يكفر بقناعته بالجماعة التي ولد ليجد نفسه فردا منها ''كانت حاجات كتير بتحصل وأنا بشوفها غلط أثناء عضويتي بالجماعة، منها تقديم أهل الثقة علي أهل الخبرة، لكن كنت ببرر ده بأننا كنّا بنعاني من التضييق الأمني في ظل النظام السابق، ولازم اللي يتقدم أهل الثقة، لكن مكنتش بعرف ألاقي مبرر للتهميش التام للشباب بحجة إن الظروف الصعبة اللي بتمر بيها البلد محتاجة أهل الخبرة''.
لم يجد أحمد مفرا أمامه من القرار الأصعب والأقسى علي الإطلاق.. قرار أن ينفصل تماما ونهائيا عن الجماعة ''قرار الانفصال عن التنظيم كان من أصعب ما يمكن، لأن التنظيم كان كل حياتي ومكان تنشئتي وأساتذتي وأصحابي وكل شيء، كمان أحنا صعايدة مبتهونش علينا ''العشرة'' حتى لو كانت مع شخص سيء، لكن ما حدث لي جعلني أستطيع أن آخذ القرار''.
"الليلة الكبيرة" مهرجان احتفالي بمحكى القلعة السبت ترويجاً للسياحة العربية