كتب- محمد مهدي:
لحظات تجلي مضاف إليها الموهبة مع كثير من القبول قد تصنع عملا يبقى لسنوات دون أن تمسه يد القِدم أو الزوال، أو ينسحب منه بساط النجاح، حتى أن أصحابه قد يُطمس ذكرهم سهوا لكن العمل باقٍ.. أغنية ''وحوي يا وحوي'' القابعة في وجدان المصريين، المطلة من زمن له بريقه مع حلول شهر رمضان الكريم في كل عام، خير مثال على هذا الأمر.
الحكاية تعود إلى مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، عندما اختارت إحدى شركات الموسيقى، المطرب أحمد عبدالقادر الذي لم يصل بعد إلى سن العشرين- حينذاك- لتنتج له غنوة يختار هو موضوعها.
خرج ليلتها المطرب الشاب مفعم بالحماس والتقى بـالمؤلف حسين حلمي المانستيرلي والملحن أحمد الشريف وأخبرهما بالأمر وإن لديه شغف بالغناء عن رمضان.. التقطا منه شغفه وصنعا له أغنيتهم البديعة ''وحوي يا وحوي''.
النجاح كان مدويا، لم يكن في الحسبان، سحر ما اندلع في القلوب جعلها مُحببة للحناجر، فسُمع ترديد الأغنية في الميادين والشوارع والأزقة، ووصلت إلى الأقاليم والقرى.
الإذاعة المصرية اتخذت من الغنوة سبيلا في ليالي رمضان تُطرب به أذان المستمعين، وباتت حديث المشتغلين بالفن عن سر انتشار الأغنية ''اتوزع منها نص مليون أسطوانة.. دخلت كل بيت'' هكذا يقول مطرب الغنوة معتزا بنجاحها.
بعض الأعمال يسطع نجمها فيما يبقى صاحبها طي النسيان، فقد حاول المطرب عبدالقادر أن يستغل نجاح ''وحوي يا وحوي'' في الإبقاء على صوته كعلامة مسجلة للإبداع، فغنى بعدها عن رمضان ''أنست يا رمضان'' وتعامل مع الملحن محمد زكريا في ''نبين زين'' و''يا عرقسوس شفا وخمير''، وغنى من ألحان رياض السنباطي عن ''الحج''، لكن لم يحالفه نفس النجاح، وسرعان ما انتهى زمنه كمطرب.
الأديب نجيب محفوظ قال عن أغنية ''وحوي يا وحوي'' ومطربها: الأغنية كانت حيوية وفيها نشاط وفرحة، والمطرب كان صغير السن جدًا وصوته جميل، لكن نبرة صوته تغيرت عندما كِبر واختفى بعدها.
توقف عبدالقادر عن إصدار الأسطوانات كمطرب، واتجه إلى التلحين فقدم لمحمد قنديل ألحان ''جميل وأسمر'' و''يا حلوة الحلوين''، وشدت نجاة الصغيرة من ألحانه ''الليل'' و''ياريت أنساك''، ولغيرهم من المطربين والمطربات.
مسارات مغايرة اختارها عبدالقادر كقدر جديد لتجربته بعد اتجاهه إلى الابتهال قبل أن يتم اعتماده في الإذاعة المصرية قارئا للقرآن الكريم ومبتهل في مسجد الحسين، ليخفت حضوره في وجدان الناس، فيما كانت أغنيته ''وحوي يا وحوي'' تشق طريقها عبر السنوات، لتصبح الأغنية الأكثر انتشارا في ليالي رمضان.