كتبت-إشراق أحمد:
جوار ''كومة'' قمامة أخذ ينبش، بطريقه كان ''محمد سرور''، استرعى اهتمامه فعل الرجل، ووجود طفلة بحقيبة مدرسية على ظهرها بجانبه، توقف يراقب، وجد الرجل ضالته، ''سندويتش نفضه في هدومه''، ومن المكان ذاته التقط حقيبة بلاستيكية وضعه به وأعطاه للصغيرة ومضيا معًا، مشهد صادم لـ''سرور''، أثار حفيظة خواطره ''بواقي أكل كتير بيترمي وفي المطاعم بنسيب أكل والناس دي محتاجة''، لم يمض شهر نوفمبر الماضي إلا واندفع ''سرور'' مشاركًا باقتراح صديقه ''محمد عبد الفتاح'' بعمل ''صندوق'' للجائعين.
مهندسان، محامي، ومدرس، أربعة أصدقاء، ذاكرة كل منهم تحمل صورة أحدهم ينبش بالقمامة، يؤذيهم الأمر، يتبادلون الحديث، حتى بدأ تنفيذ الفكرة ''مبادرة مكافحة الجوع سهلة''، في منطقة ''بولكلى'' أو ''بوكله'' –الاسم المتعارف عليه- بالقرب من أحد المطاعم المعروفة بحي الرمل في الإسكندرية، قرروا اقناع مالكه بوضع الصندوق الذي اتفقوا على أبعاده، فكان أول نتاج الفكرة على أرض الواقع في ديسمبر 2013.
من خشب البانو الثقيل كي يتحمل التواجد بالشارع، مساحة 45×25سم، متوسط الحجم غطاءه بالأعلى حتى لا تتعرض له القطط وحيوانات الطريق، يعي ما بين وجبتين أو ثلاث، يوضع على قاعدة حديدية تثبت بجدار المطعم كان الصندوق الأول للمبادرة.
اتفقوا على الاسم، الموضع لهدفهم، فهم يؤمنوا أن سد جوع المحتاجين في مصر ليس شيء معضل، فقط يحتاج إلى انسانية وعزم، ''مافيش حد بيبات من غير عشا'' مقولة يرفضها ''سرور'' أحد مؤسسي المبادرة، الكثير ملجأه القمامة يبحث بها أو مطعم يسأل به مشيرًا إلى فمه عن ما يسد رمقه، لذلك ارتكز سعي شباب الإسكندرية نحو المطاعم، لتحقيق الهدف من جانبين، أولهما أن تلك الأماكن أكثر ما يُخلف الأطعمة، وثانيهما أنها مقصد الجائعين في صمت، الذين قد تقودهم أقدامهم وأمعائهم الخاوية للنظرة المتلهفة إلى الطعام خلف الأبواب والنوافذ الزجاجية لكن تمنعهم عفة أنفسهم من السؤال، كما أن الانتظار طال بهم دون مجيب، فالصندوق الأزرق يغنيهم عن ذلك.
من صندوق إلى 200 بأكثر من محافظة بينها موطن الفكرة في الإسكندرية، وصل عدد الصناديق المغطاة بملصق أزرق يعمل واقي من الأمطار في الشتاء، وطعامها، بقايا غذاء فائض، وجبة آثر البعض إعدادها ووضعها، ليكون في انتظار عابرو السبيل الجوعى عبارة ''طعام نظيف.. خذ ما يكفيك''.
وبحكم الطبيعة الهندسية للتفكير بين المؤسسين للمبادرة وضعوا نظام، هم مَن يتكفلون بعمل الصناديق وتركيبها للمشاركين، فقط اتصال يخبر بالمكان ويهموا بالتنفيذ، حتى تكون تحت إشرافهم وذات طابع واحد معروف لقاصديه في أي مكان.
المتابعة كذلك خطوة مهمة بعد وضع الصندوق، بدءًا من ملاحظة فاعليته، فغالبًا ما كان يفرغ محتوى الصندوق في 15 دقيقة إن لم يكن حديث وضعه بالمكان، فإذا ما طال بقاءه لأيام دون تردد عليه، يتم نقله لشارع آخر، وذلك يحدث بالتواصل مع المتكفل بالصندوق، وهذا شرط آخر يضمن نظافته، ومتابعة الحالة، زاد عليهم دورات تفقديه لفرق العمل التي بدأ تشكيلها بعدد من المحافظات منذ فبراير الماضي.
لم يتوقع شباب المبادرة المتراوح أعمارهم بين 23-30 عامًا أن تنتشر الفكرة ويرحب بها كثير، لذا آثروا البقاء مستقلين عن أية جمعية مراهنين على نزعة الأفراد ومشاركتهم حلم ''أن محدش يبقى جعان في مصر.. مانشوفش تاني ناس تاكل من الزبالة''، ويكون لديها فرصة للتفكير في شيء خلاف توفير الطعام، وهذا يمكن تحقيقه في خلال عام تقريبًا على حد قول ''سرور'' إن انتشرت الفكرة، ومن قبل ذلك مراعاة الناس لبعضها البعض ''لو الناس حاسة ببعضها مش هيبقى في حتى صندوق زي ده في الشارع''.