كتبت-إشراق أحمد:
كانت ''سارة حسن'' برفقة والدتها، عائدة من ''الدقي''، بعد الاطمئنان على خالتها، الساعة العاشرة والنصف مساءًا، الوقت تأخر ولا بديل عن استقلال الأتوبيس المار وبه أماكن للجلوس، للوصول إلى مدينة نصر حيث سكنها، صعدت الأم ومن ورائها الأبنة، ما إن وطأت قدماها السلالم حتى شعرت بيد أحدهم تمتد إليها، صرخت الفتاة ابنة الصف الأول الثانوي حينها، أمسكت بيد الشاب الصاعد خلفها، انهارت الأبنة وانفزعت الأم، أخذتا تضرباه دون حراك من القلة المتواجدة بـ''الأتوبيس''، إلا رجل كبير حال بينهما وذاك الشاب قائلاً ''إيه يا أنسة هو عاملك حاجة تلاقيكي بيتهيأ لك''.
''طقوس'' باتت محفوظة لـ''سارة'' بعد أول حادث ''تحرش'' تتعرض له، سماع ورؤية الفتاة العشرينية لمواقف الاعتداء اللفظي والجسدي –بالقرب من منزلها، أثناء استقلال سيارتها الخاصة- أكثر من الحديث عن التصدي لها ''مافيش حد بيعمل حاجة''.
صراخ يتبعه انهيار فتاة أو سيدة، دفاع أو تجاهل ونفى، استياء واستنفار إعلامي، وأمني، مبادرات تتشكل، نداءات بتنفيذ قرار رادع، ثم عودة للانشغال مرة أخرى ويسود الصمت، ضجة لا تخل من إلقاء اللوم على ''البنت'' ذاتها، فضلاً عن إصباغ الأمر بطابع سياسي ممزوج بالجدل، مداد كلمات لا ينقطع لفترة من الوقت، حتى أنه لا يُلتفت متى توقف وما هى حصيلته، هكذا الحال منذ الحادث الأشهر للتحرش المعروف إعلاميًا بـ''فتاة العتبة'' الواقع عام 1992 وحتى الحادث الأخير الذي عرف بـ''سيدة التحرير''.
''كل واحد معتمد على التاني إنه يتحرك'' قالت ''نانسي عمر'' أحد مؤسسي حركة ''بنات مصر خط أحمر'' ضد التحرش، فذلك رد الفعل السائد عقب كل حادثة تحرش على مستوى الأفراد، إذ ينقسم الأمر بين متفرجين، ومدافعين عن الفتاة، وفي حالة الاعتداءات الجماعية يزيد المشاركون لانقاذ البنت ''اللي مايعرفوش إن كل الدايرة حواليها متحرشين بيدعوا حمايتها''.
اللوم على الفتاة ''طقس'' يصاحب أي واقعة تحرش على حد قول ''نانسي''، حينما تكون محجبة ''هى ايه اللي وداها هناك''، وإذا كانت مرتدية ما يلفت النظر يكون تابع الأمر ''بصوا هى لابسة إيه''، مستنكرة مثل ردود الفعل هذه قائلة ''الموضوع مش في اللبس الموضوع في الحدث''.
21 حالة تحرش رصدتها الحركة في ذكرى الثورة الثانية العام الماضي بينها حالة ''هتك عرض بآلة حادة'' ورغم ''أننا قلبنا الدنيا'' على حد قولها، لكن الأمر لم يأخذ حيز اهتمام ''كل حاجة ماتت'' بعد وقت قصير، وجاءت نبرة غافلة للحدث على حد قولها ''أنتم عايزين نعرض فضايحنا ماينفعش نقول عندنا تحرش...الوضع مش كبير كده.. مش عايزين نعكر الصفو العام''.
''مش هعمل كده تاني'' عبارة كثيرًا ما سمعتها ''نانسي'' على لسان متحرشين فور القبض عليهم وتسليمهم للشرطة التي تكتفي في أغلب الحال ''بضربه ويتساب بعد كده''، وغالبًا ما يكون ذلك في الحالات البعيدة عن الميدان أو الفردية وليس في حالة الاعتداء الجماعي الذي يصعب به معرفة المتحرشين، الفتيات اللاتي تم الاعتداء عليهن وخوفهن من عمل محضر، أحد أسباب في عدم تنفيذ عقوبة على الشخص الذي لا يتوقف عن فعلته، متذكرة الشاب الذي تم الإمساك به مرة أخرى في اليوم ذاته متحرشًا في ميدان التحرير بعد أن تركه الأمن.
الأعداد التي يتذكرها والوقائع التي شهدها ''مصطفى قنديل'' أحد أعضاء ''قوة ضد التحرش''، جعلته يتعجب من الاهتمام هذه المرة بواقعة ''سيدة التحرير''، غير منكر للوضع الأليم لها لكن ''كون أنها كانت ماشية على رجلها دي حاجة عظيمة'' فالحالات أكثرها ما يكون منهارًا، مغشيًا عليه، مستنكرًا أن يكون الأمر سياسي ''الموضوع بقاله 9 سنين''، بالصعوبة ذاتها لكن ''الناس ساكته''، فـ''الطقوس'' لم تتغير.
مختلف الأعمار والهيئات الشكلية ''في أمهات 60 سنة'' تتعرض لـ''التحرش''، منها ما حدث في 3 يوليو 2013، حيث كان من بين ما يقرب من 80 حالة، ثمانية احتاجت التدخل الجراحي ولازمت المشفى لأسابيع.
''نقابة الصحفيين 2006، الاستاد في كأس الأمم الأفريقية، واقعة أفلام السبكي أمام السينما، احتفالات ثورة 2012،2013...'' كلها مناسبات حدث بها اعتداء جماعي على الفتيات، جاء رد الفعل عليها واحدًا بدءً من سرعة الحديث عن ملابسها و''ايه اللي جابها وسط رجالة كتير''، مرورًا بالأعلام الذي يصفه بـ''المتخاذل''، إذ فضل مواضيع أخرى بزعم الحالة العامة للبلاد، فلولا ذلك ''الفيديو'' لكان لحق الأمر بالواقع السابقة وإن لم يخف ''قنديل'' تخوفه من أن تأخذ الواقعة وقتها و''بعدين كله ينام''.
الداخلية: فيديو ''تحرش التحرير'' من الأرجح تصويره يوم 4 يونيو