كتبت - يسرا سلامة:
منذ صغره، كان والده يصحبه داخل أروقة الأماكن الشعبية، يدفعه لترك بصره يتجول داخل تفاصيل الحارة المصرية، المقاهي والحواري والأزقة أصبحت مع الوقت جزء من روحه، وتصبح لعبد العزيز الجندي عشقه ومهنته، معبرًا عنها تلك المرة بمعرض فني داخل مركز كرمة ابن هانئ بمتحف أحمد شوقي.
''من هنا''.. الاسم الذي اختاره عبد العزيز الجندي، أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، يستحضر في لوحاته معني الإنسان المصري، ليجسد من روح الأمكنة في الحارة المصرية لوحًا بمختلف الألوان، ويمزج فيها بين شخوصه، وبين التفاصيل الدقيقة لتلك الأمكنة التي تجذرت في شخصية ''الجندي'' منذ الصغر، وحتي نهايات أربعينياته.
الروح المصرية الشعبية كانت ملهمته في اللوحات، كما يذكر ''كل معارضي ولوحاتي عن مصر، حتي لو رسمت في لندن هرسم عن المصريين اللي فيها''، في كل معرض له يختار من البيئة المصرية زاوية جديدة، أو تفصيلة مختلفة يجنح إليها بريشته وألوانه، فـ''العربة الحمراء'' أحد معارضه السابقة يتناول كل تفاصيل عربة الفول المصرية من بائع ومن يأكل عليها، ومعرض آخر له باسم ''بين الماء والخضرة''، متناولًا الأماكن الخضراء في على نيل القاهرة.
''دايما ببحث عن الجوهر من خلال ما أرسمه''.. يسرد ''الجندي'' إن في بداية أي فنان يمر بمرحلة ''مراهقة فنية''، لتتشكل عبر السنوات رغبة أعلى في الوصول إلى أسلوب أفضل، نضج يبحث به عن الحكمة والكمال في اللوحات، وفي محاولة للقرب من تفاصيل أكثر قربًا من فحوي موضوع معرضه، عن الحارة المصرية، ففي البداية يهتم الرسام بقواعد الرسم ومراعاة النور والظل في اللوحات، حتي يكون مع الخبرة أكثر تركيزًا نحو هدفه.
ليست فقط رحلاته مع والدته هي ما نسجت فحوى شخصيته الفنية، لكن جولاته المستمرة مع ''أبناءه'' الطلبة وسط الحارات الشعبية المصرية هي ما جعلته متأثرًا بها، ينسج منها تفاصيل ترتسم على لوحاته، فتلك لوحة لمجموعة سيدات في الصعيد يحملن الأواني فوق رؤوسهن، وهذا رجل يحمل فوق رأسه قفصًا يقتات منه، وجد تفاصيله في لوحات ''الجندي''، وذلك ركن لأحد الازقة في الحارة المصرية استرعت انتباه، حتي دون رسم أي شخوص.
استخدم الجندي أسلوبًا جديدًا في رسم لوحات معرضه، فبجانب استخدامه ألوان الكلريك البلاستيكية والخشب، استخدم أسلوب ''الكولاج''، وهو ما يعني استخدامه لقطع ورقية يلصقها على صوره، مستخدما في بعض الصور أوراق الكارتون وبواقي الأوراق مثل القص واللزق، أو استخدامه لورق الجلاد المدرسي.
بعض من وجوه المصريين خطها ''الجندي'' بريشته، يذكر الرسام إنه ليس من الضروري أن يضع صاحب اللوحة كل شيء في لوحته، مقرًا بأنه يستخدم البساطة في حكي الواقع، يقول إنه رأي في مناطق القاهرة القديمة امتزاج الحجارة والبيوت بأصحابها، ليكونا معًا نسيج واحد، حاول أن ينسجها في لوحاته، يقول ''البيوت المصرية القديمة وفي المناطق الشعبية جزء بيتنفس ويعيش مع الناس من حوله، وتلك الروح النابضة بالحياة هي ما حاولت نقله''.
ليس فقط المناطق الشعبية أو وجوه المصريين، أو أسواقهم هي التي وجدت الطريق لمعرض ''من هنا''، فالعروستان الشهيرتان ''بوجي وطمطم'' للمخرج الراحل ''رحمي''، لهم لوحة بداخل المعرض، لكونهم كما يرى ''الجندي'' جزء من وجدان الشخصية المصرية، ليرسم الجندي أيضًا عربة البطاطا منفصلة بذاتها، وجلسة المقهى في داخل الحارة المصرية.
وأمام أحد لوحات المعرض، ارتسمت علي وجه ''غادة مبروك'' ابتسامة لإعجابها باللوحات، وهي أيضًا تعرف الطريق إلى الرسم، تقول ''لوحات المعرض تستفزني للرسم، من تركيز الرسومات على تفاصيل مرت علينا ولم ننتبه إليها من قبل في رسوماتنا''، تري ''مبروك'' إن الجندي يقوم بإعادة تدوير مواد البيئة باستخدام أوراق كارتونية، ومواد أخرى هي في الأصل من بواقي لوحات أخرى.