كتبت- نيرة الشريف:
مواطنون خارج سياق الأحداث، وربما خارج سياق الزمان والمكان، لا يهتمون إلا بتوفير أبسط احتياجاتهم الإنسانية علي الإطلاق، لا زال مبلغ اهتمامهم هو توفير المأكل والمسكن الآمن ولا شيء أكثر من ذلك، لا يعرفون شيئا عن الأحداث التي تلهث وسائل الإعلام والفضائيات لنقلها، لم يملكوا ''ترف'' الجلوس أمام أجهزة التلفاز ليشاهدوا حفل تنصيب الرئيس التي جلس أمامها الملايين أمس الأول، هم يعرفون أن ''السيسي'' قد أصبح رئيسا، ويتمنون بتحفظ وحذر أن يأتي بالخير لهم خوفا من قسوة ألا تتحقق الأماني.
الأمن والاستقرار
محمود شعيب لم يتجاوز عمره 18 عاما، لم يحظ بأي قدر من التعليم، ترك القرية التي يقطن بها وأسرته بمحافظة بني سويف وأتى إلى القاهرة بحثا عن فرصة عمل وسبيلا للحياة، وتمكن بالكاد من الحصول على فرصة كعامل محارة للأبنية التي يتم تجهيزها، بدخل يومي 60 جنيها نظير ثمان ساعات من العمل.
لشعيب من الإخوة ثلاثة ''إخواتي الاتنين الكبار فلتوا بالتعليم، أنا واخويا الصغير مالحقناش''، لم ير ''شعيب'' حفل تنصيب الرئيس الجديد، لأنه لا يملك تلفاز في المكان الذي يقضي ليله في القاهرة، حيث يبيت في نفس البناء الذي يعمل به طوال اليوم، ويتنقل من بناء للآخر وفقا لعمله، فيستقر في البناء عملا ومبيتا، ويذهب لأسرته مرة واحدة أسبوعيا، ليعطيهم من المال ما يعينهم على قضاء الأسبوع إلى أن يحين موعد زيارته القادمة، ''كنت هشوف فين حفل التنصيب اللي بيقول عليه ده يعني؟ أنا بخلص شغل ميت من التعب، يا دوب بروح أنام وما بعملش أي حاجة تانية غير إني أرتاح، قبل ما ييجي العمال الفجر ويبدأوا يوم جديد من الشغل''.
كل ما يتمناه محمود من الرئيس الجديد هو أن يوفر في المقام الأول الأمن والاستقرار للجميع، وأن يوفر له فرصة عمل ومسكن.
عمل ومسكن
لم يختلف سيد مصطفى -38 عاما- كثيرا عن محمود، فهو يعمل حدادا، ترك بلدته بمحافظة سوهاج وأتى للقاهرة باحثا عن فرصة عمل، لديه اثنين من الأخوة يعملون باليومية، كل ما تستطيع مهنته أن تدره عليه لا يتجاوز الألف جنيها، وعليه أن ينفق من هذا المبلغ على تكاليف معيشته في القاهرة؛ حيث يعيش بشقة يصل إيجارها إلى نحو 300 جنيها، وينفق أيضا على أسرته بالبلد، لا يستطع أو يطمح أن يفكر ولو مجرد تفكير في الزواج، ووالده موظف بالمعاش تعطيه الدولة 700 جنيها نظير خدمته بها، وينفق النسبة الأكبر منهم علي علاجه من فيروس الكبد الوبائي.
لم يهتم سيد بحفل التنصيب، ولم يهتم قبلها بالسباق الرئاسي، كما لم يعني قبلهما بالإخوان ومشكلاتهم، كل ما يرغب فيه هو عمل دائم بأجر جيد، ومسكن مستقر، متسائلا ''هيقدر الريس يحقق لي ده ولا لأ؟''.
''حال البلد يتصلح''
بكلمات متقطعة وخطوات مضطربة كان آتيا وسط مجموعة من العمال، أصر العمال على إيقاظه من النوم؛ كي يأخذ ولو فرصة ضئيلة في أن يشرح حاله لأحدهم، هو عبد الرؤوف خلاف سيد أحمد، لديه من العمر 47 عاما، ولديه نسبة إعاقة ذهنية وكلامية، صدمته سيارة أجرة أثناء سيره بميدان العباسية، وتركته وهربت مسرعة وتركت له أيضا إعاقة في قدمه اليسرى.
يكسب عبد الرؤوف لقمة عيشه من عطف وشفقة من حوله حيث لا عمل ولا سكن ولا عائل لديه، كل ما ودّ قوله هو أن ما يتمناه أن يصبح السيسي شخصا جيدا ''أنا عاوزه بس يبقي كويس، ومش عاوز حاجة لنفسي، عاوزه يصلح حال البلد''.