كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
هدوء يسود محيط المحكمة الدستورية العليا، انتهت مراسم حلف اليمين، فُتح الطريق، السيارات عادت لتمرق سريعًا، فردا أمن المحكمة يجلسان جانب السور الخارجي كعادتهما، لم يبق من أجواء استقبال الرئيس غير العلم المصري المرفرف أعلى سطح ''الدستورية''.
موليًا وجهه تجاه كل ذلك كان ''مجدي عبد الباسط''، جالسًا على كرسي بلاستيكي، مسترخيًا بيده سبحة خشبية، يلتقط الأنفاس بعد أن انفض زحام مراسم التنصيب الذي انزوى عنها داخل الأرض التي يحرسها بناء على تعليمات الحرس الجمهوري، لم يكن شغفه برؤية الرئيس الجديد عظيمًا، خبرة الرجل في الحياة علمته ألا ينتظر من أي رئيس شيئًا، إلا أن يرى النتائج بنفسه وحتى ذلك الحين لا مانع من توجيه النصائح.
مرتديًا قبعة تقيه الشمس، قميص أزرق يليق بعمله كفرد أمن ضمن طاقم حراسة الأرض المجاورة للمحكمة، عام قضاه الرجل الخمسيني في ذلك العمل، شهران به لم يبرح مكانه داخل كشك خشبي أبيض اللون، ''ثورتين فلسونا'' آلتا به لمكانه هذا (بجوار المحكمة) بعد 35 عامًا مضت به بين المشغولات النحاسية التي تشبع منها منذ كان بالمرحلة الابتدائية ''يجي الصيف أروح أقعد عند جوز خالتي في الورشة''، رويدًا كبرت خبرته في المهنة حتى صار ''أسطى'' بينما لا زال طالبًا بكلية التجارة ''كنت بلبس هدوم بالشيء الفلاني في الوقت اللي كان صحابي بياخدوا مصروفهم من أهلهم''.
''اللي بيشتغل في الشغلانة دي لازم يكون قلبه جامد'' من الثامنة صباحًا يبدأ عمل والد البنات الثلاث ويستمر طيلة 12ساعة ''الوضع عند المحكمة أمان''، ذكريات لمساته مع النحاس لا تفارقه، بين تونس، ليبيا، المغرب والجزائر دارت مصنوعاته ''دول شمال إفريقيا'' على حد قوله و''كسبت من الشغلانة دي كتير''.
انفتاحه على الجنسيات الأخرى جعله يتقبل الآراء المتعددة بصدر رحب خاصة إذا كانوا من أبناء وطن واحد، ليكون أول مطالبه من الرئيس ''مصالحة وطنية بين الشعب كله''، مفسرًا ذلك بجلوس الـ''قضاء، جيش، شرطة، أخوان ..كل الناس'' على طاولة حديث واحدة للاتفاق على نقاط مشتركة لإدارة البلاد.
تونس؛ محطة مكث بها 15 عامًا ''كنت المصري الوحيد اللي عنده بطاقة مهنية من وزارة الصناعة''، فخر يملأ صوته عندما يتحدث عن أيام العمل هناك، محل خاص، لقاء جمعه بالرئيس التونسي الأسبق ''الحبيب بورقيبه'' بدل زمام حياته، أحدهم طلب منه صناعة لوحة نحاسية تتضمن كلمات إطراء ''أنت القائد في الكفاح.. أنت الضامن للنجاح''، لم يتنازل عن تحفته وقرر تسليمها يدًا بيد للرئيس، بات تاريخ لا يمحى من ذاكرة الرجل ''3 أغسطس 2007''، لم تتوقف رؤيته للرؤساء، جاء ''زين العابدين بن علي''، ليرسل إليه راغبًا في عمل فني جديد، فكانت اللوحة الحاملة لآية ''إن ينصركم الله فلا غالب له''، منتشياً كان بها خاصة حينما ظلت تظهر في خلفية نشرة أخبار التليفزيون التونسي بالثامنة مساء كل يوم على حد قوله.
سمات جيدة راها في البلد العربي، والتمسها في يوم حلف اليمين، تمنى أن تستمر ''المكان حوالين المحكمة كان يشّرف.. ليه ميقعدش كده على طول''، تنظيم مواعيد جمع القمامة من الشارع، رفع رسومها من فواتير الكهرباء، وتعاون بين المسؤولين والناس، أشياء يرغب في تحقيقها يومًا ما.
لم يكن يبالي رجل الأمن الخاص بالشخصية التي يهديها عمله ''كنت بحترم رئيس الدولة اللي أنا فيها''، وبمصر ما تغير رأيه، الحرية والديمقراطية ''شعارات ما تلزمناش في حاجة'' فما ينتظره من الرئيس القادم ''حد أدنى للأجور، الاهتمام بأصحاب المعاشات وكبار السن''.
لوحة أهداها ''عبد الباسط'' إلى سائحين تونسيين وفدوا إليه بمحله في الحسين، فتحت له باب الرزق، لتنتهي تلك الحقبة بالعودة إلى مصر عام 2000، ثورة قامت في لحظة أطاحت برئيس وتجارة ''عبد الباسط''، مشاكل، تعثر، ثم سقوط بخسارة كل شيء والعودة إلى الصفر ''ماتبقاش غير الصحة والسمعة''، بثقة أكد الرجل الخمسيني أنه غير نادم على ما مضى ''المهم الواحد قادر يبدأ من أول تاني وده مش عيب''، في مسكنه بمنطقة العمرانية يحاول استعادة فنه ''عندي دكان صغير بعمل فيه حاجات بسيطة وأطلع أبيعها''.