كتبت- يسرا سلامة ورنا الجميعي:
أمام محل عمله، يجلس ''سعيد محمد إبراهيم'' متكئًا علي كرسي خشبي، من خلفه كل ما يحمله من كنوز يعرضها للبيع، تحف وأنتيكات منها أجهزة الراديو العتيقة، التي تمر من أمامنا عبر مسلسلات تاريخية أو أفلام قديمة، ظل لها الرجل الستيني وفيًا، بائعًا، ومحبا يقتنيها من التجار.
أكثر من أربعين عامًا يعمل ''سعيد'' بتجارة أجهزة الراديو القديمة، تحفًا يلتقطها من السيارة من التجار، أو من أصحاب الراديوهات القديمة، ممن ملوا منها ويريدون بيعها، فهذا جهاز راديو عتيق يعمل باللمبات، لا يقوي ''سعيد'' علي حمله، يعلوه أكوام التراب، بعد أن انفض عنه الطلب أو السؤال.
من سوق الجمعة أو التونسي أو من منطقة شبرا الخيمة، يدلف ''سعيد'' إلى تلك الأماكن بين الحين والآخر، باحثًا عن كنوز الأنتيكات، مع بعض من أنتيكات أخرى، علي الرغم من خفوت حركة البيع لديه؛ بسبب ما آلت إليه حركة السياحة في منطقة الجمالية، القاطن بها محل ''سعيد''، مضيفًا ''طالما مفيش سياحة، يبقي مفيش شغل''، ليتابع الرجل إنه لا يوجد زبون دائم لشراء أجهزة الراديو القديمة، فمشتريها إن وجد يبحث عن أنتيكة في منزله.
يقف عم ''سعيد'' بين أنتيكاته المتناثرة، مستندًا على أحد الأرفف، يبتسم حينما يُرجعه الحنين لصوت ''أم كلثوم'' الذي تعود على سماعه في حفلات الخميس، و مازال يسمعها حتى الآن، معتبرًا إياها الملكة ودونها الباقي، فلم تقف علاقة ''سعيد'' بالراديو في ذكرى إنشاء الإذاعة حد البيع والشراء، فهو ''سميع'' للإذاعة منذ صغره، وحتى خط الشيب رأسه، فمازال يتذكر الرجل الذي عايش ثورة 1952 حفلات أم كلثوم التي سمعها بنفسه، ممنيًا النفس بسماعها حتي الآن من جهاز في محله.
أربعة عشر ساعة يقضيها الرجل في عمله ببيع الأنتيكات، وبين سماعه للراديو طوال اليوم، يتنقل في ساعات يومه الطويل بين إذاعة القرآن الكريم أو برنامج الأغاني، ''زمان كان فيه أغاني حلوة تتسمع، إنما دلوقتي مفيش''، ساعة أو ساعتين هي ما يقضيهم الرجل أم تلفاز بيته عند العودة، مفضلًا المكوث مع زوجته، ''الراديو في الشغل بس''.
بروح متفائلة وابتسامة تعرج على تشققات الوجه، وعيون تملأها اليقين بالله، لا يتمنى الرجل إلا إنصلاح الأحوال والأمان في البلاد، وعودة زبائن المنطقة السياحية إليها مرة أخري.
عملاق الإذاعة ''بابا شارو'' .. حكاية مذيع المصادفة ''بروفايل''