لا أحب التردد على السفارات، ولا أحضر مناسباتها الوطنية.. لا قبل الثورة ولا بعدها.. قبل الثورة كنت أتشكك فى أسباب الدعوات.. أكره أن يتصور أحد أن للصحفى أى ثمن.. بعد الثورة حسبت الحكاية بدعم الشرق والغرب لمصر.. كانت هناك شكوك بعد 25 يناير.. بعد 30 يونيو تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. عرفنا من معنا ومن ضدنا.. سواء كانوا من الشرق أو من الغرب!
يعنى مثلاً لا أتصور أن أقبل دعوة تأتينى من سفارة أمريكا.. لا هم سيفعلون ولا أنا سأفعل.. لا أتصور أن تأتينى دعوة من قطر، ولا قناة الجزيرة.. فعلت القناة ولم أذهب.. ولم تفعل قطر، ولا أظنها ستفعل.. كل دعوة تعرف أصحابها.. الداعون يعرفون ضيوفهم.. يعرفون انتماءاتهم.. اختياراتى ترتبط بالوطن.. حين تلقيت دعوة من السفير السعودى أحمد القطان لبّيت.. للسعودية ذاتها، وللقطان أيضاً!
هل كان يمكن ألا ألبّى دعوة من سفارة خادم الحرمين بعد مواقفه الداعمة لمصر؟.. هل يُعقل أن يقف إلى جوار مصر فى كل المحافل ولا نقول له شكراً؟.. فى هذه اللحظة سقطت كل الحساسيات القديمة.. كل الذين فعلوا مثلى كانوا يشعرون بالبهجة.. لم نشعر أننا فى سفارة، بقدر ما كنا نشعر أننا فى بيت مصرى.. كان اللقاء دافئاً.. أحسست أننا نبحث عن مبرر للفرح، وكأننا نستعد لفرحة كبرى!
قبل هذه المرة ذهبت إلى السفير القطان فى لقاء انفرادى.. يومها طلبنى بكل الحب والمودة، يعلّق على مقال.. كان ذلك بعد 25 يناير مباشرة.. دعانى على فنجان قهوة.. ثم قال: حدد الزمان والمكان.. قلت بل أتيك فى السفارة.. «مادام شغل يبقى مكتب».. ذهبت إليه فى الفيلا القديمة.. اطمأننت على موقف السعودية من مصر.. قدم لى خطاباً موجهاً إلى وزارة المالية بدعم سعودى قدره 4 مليارات دولار!
أمس الأول كانت المرة الثانية للزيارة بمقر السفارة الجديد.. حاجة خرافية.. حفاوة بالغة وكرم ضيافة نادر.. المناسبة كانت الذكرى التاسعة لتولى الملك عبدالله الحكم.. عنوانها «تسعة أعوام من الإنجازات».. صراحة كان عندى إحساس أن حضورى فيه عرفان أكثر من أى شىء.. جدد «القطان» استمرار دعم المملكة لمصر.. وقال إنها توجيهات خادم الحرمين الشريفين، والتزام بمقولة الملك المؤسس!
شعرت أن مصر ليست وحدها.. شعرت مجدداً أن التحرك السعودى لم يكن مصادفة.. مثله التحرك الإماراتى والكويتى.. لا شىء كان لحظياً.. هم يرون أن نهضة مصر نهضة للعرب.. يترقبون الانتخابات الرئاسية مثلنا.. يحلمون معنا بالمستقبل.. ولا غرابة فى هذا، فقد قال الملك عبدالعزيز: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب».. أيضاً قال القطان: مصر فى قلب ووجدان كل عربى!
لا كان «القطان» يتجاوز الحقيقة حين قال ما قال.. ولا من تحدثوا عن السعودية كانوا يجاملون المملكة أو السفير.. أروع كلمة ألقاها أبونا سرجيوس شحاتة نائباً عن البابا.. لها دلالات كبرى.. تاريخياً «القطان» أول سفير سعودى يزور الكاتدرائية.. برهن أنه سفير لدى مصر.. بكل معنى الكلمة(!)