أسأل نفسى كلما رأيت مذيعا أو ضيفه منتفخين، تكاد أشياء غريبة تقفز من بين حبات عيونهما.
أشياء غريبة وغامضة متفجرة وتهليل يكاد يلقى بشظاياه على العالم من محيطه إلى محيطه..
فيض من الفخر والعنجهية التى تجعلنا نسمى صبيًّا فى سن المراهقة «المخترع الصغير» لأنه اخترع نضارة يستخدمها المصاب بالشلل الرباعى فى تشغيل الكمبيوتر.. ثم نقلق منه عندما نكتشف أن عائلته إخوان مسلمين... وتمنعه السلطات الأمنية من السفر بعد أن يكون ضحية من ضحايا القبض العشوائى... وفى النهاية الدراماتيكية تهال عليه الأتربة وتُهم الخيانة والعمالة، لأنه قرر عدم العودة خوفًا من السجن وطلبًا لمستقبل أفضل.
ليس بالضرورة سيظل المخترع «مخترعًا..» لأن مقاييس ومفاهيم العبقرية والاختراع تختلف بين بلدان ما زالت تتعامل مع عبد العاطى بجدية وتدافع عنه مؤسساتها الكبيرة مثل الجيش وبلدان أُضيف العلم إلى أساسيات التفكير بها وأصبحت له منظومات يمكنها أن ترى مما نعتبره «اختراعًا» مجرد إنتاج عادى.. أو ما نراه عبقرية يمكنها أن تراه اجتهادًا فى حدود ممتازة..
إنه انتقال من أسطورة «الصبى المعجزة» إلى «الوطن المعجزة» بسهولة من لا يمرر الأحداث والمواقف على عقله أو من غابت عنه معايير وأخلاق وخبرات، يمكنها أن تكبح قليلًا سعار أو هستيريا تصور أننا أساطير نمشى على الأرض أو أن بلدنا جنة لا نعرف قدرها..
لا نحن أساطير.. ولا بلدنا جنة..
نحن نعيش فى بلد نشأت فيه أول حضارة، وتعلم منه العالم تنظيم المجتمعات وتكوين الدول.. لكن الخطوط تقطعت مع هذه الحضارة.. كما حدثت فى بلدان كثيرة نشأت فيها حضارات.. ومررنا بمحاولات نهوض وسقوط.. احتلال وثورة.. خضوع وتمرد.. ركود طويل وخروج أطول من نفق صحراوى أجرد..
قصة «المخترع الصغير» تفضح هذا النزوع إلى «الأَفْوَرة..» أو صناعة أساطير/ وتفضح أيضًا جهازنا البيروقراطى، رغم قوته ونفاذه وإدراكه المفرط لمصلحته.. فإن ممارساته منحطة وكارثية بداية من محاولات الحفاظ على الأمن بأساليب العصور البدائية..
وليس نهاية بوزارة تعليم لا تفهم إلا فى فرض عملية ترويض للتلميذ منذ اللحظة الأولى لكى يصبح فردًا مدجنًا مسلحًا بالجهل فى مواجهة عالم منفتح.. بلا أبواب إلكترونية تمنع السفر..
مصر وصلت مع الاستبداد والفساد وابتزاز الإرهاب إلى الحضيض..
وكل المبالغات التى تغرقنا ليست إلا مبالغات من يشعرون بالعجز والبؤس وقلة الحيلة، لا من يبنون ثقتهم بذواتهم ويريدون الخروج من الحفرة التى عشنا فيها سنوات مبارك التعسة..
فقليل من التواضع.. لكى ننجو من ذلك المصير المرعب..
وأترككم فى نهاية المقال مع جزء من تعليق لصديقى الدكتور عمرو عبد الرحمن الذى أنهى مؤخرًا رسالة الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة «ESSEX - إنجلترا».. التعليق يضع الأساطير عند حدها: «الحقيقة أنى حزين على موضوع (المخترع الصغير) ده مش لأنه ساب البلد بس، لكن لأنه ممكن جدًّا يفشل فى الغرب زى قطاع معتبر من المصريين اللى بيتخيلوا إنهم حيكسروا الدنيا بره وبعدين بيخيبوا.. مش عارف هل هم الأغلبية ولا لأ، ولكن انطباعى من العيشة بره إنهم الأغلبية..
شفت بعينى (مخترعين صغار) زيه كده بالظبط واقفين بيقطعوا شاورمة وبعضهم كان جاى يعمل دكتوراه... وغيرهم فى قهاوى وسرِّيحة ونقَّاشين وخلافه.. وكلهم كانوا واعدين فى البداية.. الحقيقة أن أسطورة المصريين اللى بينجحوا فى الخارج دى محتاجة إعادة نظر.. فى طبعًا مصريين عظام فى الغرب بس نسبتهم كام من عموم اللى بيسافروا؟ والأهم، هل فى حد فكر يقارن هذه النسبة بنسبة نجاح ناس من جنسيات أخرى من العالم التالت برضه زى الهنود والآسيويين وغيرهم؟».