النقد كثيرا ما ظلمه.. والراحل كان يحلم بتحقيق فكرة الفنان الشامل
أتخيله دائمًا فى حالة ضحك وتصالح مع الحياة، وهو لا يكف عن إطلاق النكات والتشنيعات والمقالب التى يتقبلها أصدقاؤه ولا أتصورهم يستطيعون مجاراته فى تلك اللعبة التى يجيد حبكها، رحل وهو يحتفل بعيد ميلاد زوجته الفنانة سحر رامى هكذا قرأنا الخبر وكأنه أراد أن ينهى حياته وهو يودع كل أصدقائه.
قبل أيام قلائل وقبل افتتاح مهرجان «كان» بساعات جاءنى خبر رحيل الكاتب الكبير فايز غالى، والآن أتلقى خبر رحيل الفنان والصديق حسين الإمام. صرت أتعامل مع النت ليلًا وقبل أن أغفو أتصفح الأخبار وأدعو الله أن لا أجد ما يملأ قلبى بالأحزان، ولكن يبدو أن الأحزان تطاردنا أينما توجهنا.
بدأت العلاقة بينى وبين حسين يحيطها الكثير من الدفء، فأنا عرفت والده المخرج العبقرى حسن الإمام فى أيامه الأخيرة وكنت أقدر فنه وأرى أن النقد كثيرًا ما ظلمه ولم يمنحه ما يستحقه من حفاوة، ووجّه لى حسين الدعوة لمشاهدة فيلمه الذى أنتجه وكتب قصته ولعب بطولته وأخرجه عادل أديب «أشيك واد فى روكسى» ووجدته فيلمًا متواضعًا وكتبت مقالًا عنوانه «اضرب شعرك جيل ومخك دوكو» وكانت كل المقالات التى سبقتنى فى النشر تحمل أيضًا الكثير من الانتقادات الأشد ضراوة للفيلم، ولكن ولا أدرى لماذا كان نصيبى أنا فقط دعوى قضائية،
بعد أن اعتبر أن ما كتبته يقع تحت طائلة قانون السب والقذف العلنى، فوجئت بأن المحضر يذهب إلى منزلى وليس إلى مجلة «روزاليوسف» كما جرت العادة فى الدعوات القضائية المماثلة التى تقام ضد الصحفيين، والمفاجأة الثانية هى أنه رفع الدعوى باسمى الرباعى، فمن الواضح أنه اخترق الشؤون الإدارية بالمجلة، وعرف عنوانى واسمى كاملًا، ولكنه أخطأ فى الاسم الثانى فرفضت الدعوى وهو على الجانب الآخر لم يجددها، ولم نتعاتب أو نتحدث حتى كتبت على صفحات «الدستور الأصلى» (بورتريه) عن العبقرى حسن الإمام ووجدت المحمول بجوارى به صوت يفيض بالدموع ولم أتنبه إلا وهو يقول لى صحوت من النوم وقرأت، ومن فرط سعادتى بما كتبته عن والدى بكيت وانتهت تلك الجفوة إلى غير رجعة. كان حسين لديه طموح فى تحقيق فكرة الفنان الشامل منذ أن قدم هو وشقيقه مودى قبل نحو أربعين عاما فرقة «طيبة» الموسيقية، والتى ضمت الكثيرين، كان يحمل وجدانًا عصريًّا فى كل تفاصيله فى التلحين والغناء والإفيه وحتى التمثيل، فلقد كان يحمل قدرًا كبيرًا من العفوية والطبيعية، وكأنه لا يمثل. شاهدته فى أفلام مثل «كابوريا» و«استاكوزا» وأعجبنى ولكنى مثلًا لم أرتح إلى دوره فى فيلم «كذلك فى الزمالك» كان لديه طموح أن يكمل السلسلة بعد الزمالك فى «عادى فى المعادى» إلا أنه أدرك أن عليه تغيير البوصلة.
أعجبنى لحنه الأشهر فى فيلم «كابوريا» وهو أفضل من أجاد التعامل بين الملحنين مع صوت وأداء أحمد زكى، وفى الدراما التليفزيونية كان رائعًا فى «للعدالة وجوه كثيرة» فى دور صديق البطل أمام يحيى الفخرانى، فى قناة «الأوربت» حقق نجاحًا استثنائيًّا فى أداء فقرة الطبخ وتحولت من فرط نجاحها إلى مادة ثابتة فى عديد من البرامج.
منح برامج المقالب مذاقًا خاصًّا، فكان حالة متكاملة، كاتبًا وممثلًا ومغنيًا ومطربًا وظريفًا، ولا أتصوره سوى أنه كان قبل أن ينهى حياته يتذكر أو يروى نكتة أو إفيهًا أو مقلبًا، يا ليت خبر الرحيل كان مقلبًا!!