بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، انتشرت مقولة بين بعض الشباب، أننا ككبار كنا عبيدًا، وجاء الشباب ليحررونا!... مبعث هذا القول بالطبع أن الإعلام قد استبعد شعب مصر من الثورة، عندما وصفها بكونها ثورة شباب!... المقولة فى الواقع حقيقية وكاذبة فى الوقت ذاته، فالثورة، مثل كل ثورات العالم أشعل فتيلها الشباب، فعبر التاريخ كله، لم تقم دار مسنين بثورة، ليس لأن رواد دار المسنين لا يملكون روحًا ثورية، بل لأن الشق العملى الاحتكاكى التفاعلى من أى ثورة، شق يحتاج إلى القوة والنشاط والحيوية، وهو ما يتوافر لدى الشباب لكن هناك الشق الأهم من أى ثورة، وهو القدرة على إدارتها والاستفادة من مكاسبها، وهذا الشق لا يحتاج إلى العنفوان والقوة، بل إلى العقل والحكمة والخبرة، وهو ما لا يتوافر -بالتجربة الفعلية- لدى الشباب…
الثورة إذن، لكى تحقّق أهدافها، لا بد لها من الشقين معًا… قوة الشباب، وحكمة وخبرة الكبار… لا الكبار يمكنهم التطوير دون الشباب، ولا الشباب يمكنهم النهوض دون الكبار… ولكن المشكلة هنا تكمن فى طرف ثالث… ليس الطرف الثالث الصحفى، الذى نشأ كمصطلح، ثم صار لبانة يلوكها الكل، ويسخر منها بلياتشوهات الإنترنت، دون إدراك لطبيعة الحروب الحديثة، والتى يطلق عليها اسم حروب الجيل الثالث… وأبسط تعريف للجيل الثالث للحروب هو أنها حرب دفعْ الشعوب لهدم نفسها بنفسها، دون أن تراق نقطة دم واحدة من أعدائها، الذين ينشدون هدمها… فالجيل الثالث من الحروب يعتمد على بث الفوضى داخل البلاد، عبر استخدام عبارات أنيقة، لمصطلحات برّاقة، مثل الحرية والديمقراطية،
وإعادة توصيفها وتوجيهها، ووضع تفسيرات ملتفة لها، بحيث تثير الحماس لدى فئات من الشباب، قليل المعلومات وجمّ الحماس، بحيث تستخدم هذه المصطلحات الثورية لإشاعة الفوضى، ودفع الشباب، الذين هم طاقة الأمة، لهدم وطنهم، وهم يتصوّرون أنهم يسعون لبنائه، وليس من دليل على هذا، أكثر من تلك المقولة، التى لا يمكن أن توصف إلا بأنها ذروة الجهل والحماقة، والتى تنادى بضرورة هدم الدولة بالكامل، لإعادة بنائها على نظافة!... حمق المقولة واضح؛ لأنك إن هدمت الدولة، وقدّمتها لأعدائها على طبق من ذهب،
فمن منهم سيسمح لك بإعادة بنائها مرة أخرى؟!.. من منهم سيكون بالحماقة، بحيث يسمح بإعادة بناء دولة، يمكن أن تصير أخطر عدو له، إن استعادت كيانها؟!.. إذا كان من يهدم أحمق، فالعدو ليس كذلك… ولكن الذين يرددون هذه المقولة عبيد حقيقيون… عبيد لانفعالاتهم وجهلهم وغطرستهم، التى تمنعهم من الاعتراف بضعف فهمهم وقلة خبرتهم… تمامًا كالذين إذا قيل لهم اتقوا الله، أخذتهم العزة بالإثم.. كبرياؤهم يمنعهم من الاعتراف بالخطأ، فيفقؤون أعينهم حتى لا يروا الحقيقة… هؤلاء بالتحديد من يعتمد عليهم العدو، فى حرب الجيل الرابع، ويفسّر لهم كل شىء بأسلوب شيطانى خبيث، لو أعادوا التفكير فيه بلا تشنّج، لأدركوا الفخ الذى يقادون إليه… وللحديث بقية.