حاول أن توسع المشهد قليلًا لترى..
حاول أن تفكر قبل أن تقع فى الهستيريا التى تتصور أنه يمكن أن تكون بديلًا للحياة..
كل من وقعوا فى «الهسترة» قبلك لم تنقذهم.. أو لم تقدم لهم سوى تعاسة وبؤس..
فكّر أو شغل عقلك قليلًا.. بدلًا من السير فى قطعان تبحث عن فتوة..
لا الفتوة يصلح لأكثر من استخدام قصير المدى..
ولا القطيع يمكنه أن يبنى الحياة..
فكّر.. أى مستقبل يمكن أن يبنى على عملية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه..»..
.. لا يملك الحل منفردًا.. حتى السيسى المنقذ..
هذا هو الجديد تقريبًا.. أو الـ«تغيير» الذى حدث بعد 3 سنوات من الثورة على الركود.. لا أحد يمكنه حسم المستقبل.. السيسى القادم من الجيش.. والمنتظر من الملايين لقيادة أوتوبيس «إنقاذ» يترنح من الزحام والمشاعر المضغوطة.. ولا حتى أمراء المظلومية الإخوانية التى لا تشبه مظلوميات سابقة.. ولا تعد بشىء سوى «صراع داخلى» لأول مرة، كما ظهر فى البيانات المتضاربة بعد استكهولم، التى تثبت أن الجماعة لا تتعامل مع المحنة.. لكنها دخلت مرحلة الركود المصاحب لهزيمة شبه كاملة..
المنتصر أزمته مختلفة.. يقود الأوتوبيس مثقلًا بالانتظارات الكبرى.. وهى انتظارات لا يمكنها تأسيس «سلطوية معاصرة» قادرة على الحياة طويلا أو على صنع ركود جديد.. لكنها يمكن أن تشحن دماء «السلطوية منتهية الصلاحية» لمواجهة الخوف الذى تركه الإخوان/ ومشروعهم الإسلامى الجهادى/ مع تركهم السلطة..
.. بدا الإخوان بعد استكهولم كأنهم على مشارف رواية جديدة.. يتعاملون فيها مع محنتهم.. ويرون فيها مستجدات واقع سياسى.. لكن هذا التبدى لم يستغرق كثيرًا إلا وتكشف عن أنه ليس لديهم رواية جديدة.. ولا عقل يمكنه التعامل مع المحنة.. وأن هناك صراعًا داخليًّا فى الجماعة يحسمه كالعادة «أمراء السلطوية الحائرة» فى الجماعة..
بيانات ما بعد استكهولم تجذّر لخروج الجماعة من «الفضاء العام» فترة ليست قصيرة سيكونون فيها مجرد مبررات «دولة بوليسية أمنية برضا شعبى» ومصائد «حيث يترك أعضاء الجماعة فى مرمى الخوف الشعبى من الإرهاب والعقاب المنفلت من السلطة..»..
هذه غالبا ليست لحظة تغيير السلطة. هى لحظة أكبر وأخطر وتتعلق بما استقرت عليه مجتمعات راكدة أو مستقرة عند توازناتها الهشة ومجتمعات أخرى نفضت ركودها وتعانى من آثار الاثنين معًا: الركود والتخلص منه.
لا هيبة للسلطة الآن.. فالتعلق بحافلة الإنقاذ لا يعنى سوى انتقال من «مجتمعات هى هبة الدولة» إلى مجتمعات كشف ترنح الدولة هشاشتها وصراعاتها.
بينهما لا يمكن بناء نظام على الإنقاذ.. كما لا يمكن بقاء نظام ليس لديه سوى الإنقاذ..
ولو فكرت قليلًا ستجد أن كل فعل يحمل فى طياته رد الفعل الأسوأ القابل لتأييد شعبى. فالجماهير لم تعد معنًى سياسيًّا ولكن فكرة «أسطورية» تمارس حضورها بكل ما تستحقه احتفالات القبائل البدائية. الفكرة ونقيضها على السواء لها جمهور يراها تمثل «الحقيقة/ القانون/ القوة».. بلا مرجعية لأى منها.. إنها مجرد «طقوس الخوف والحرب» لطرد الخطر أو الحفاظ على البقاء.. فى مواجهة عدو خرافى.