■ من دون مناسبة محددة، بل ربما بدافع من زحام المناسبات أقول لكم مباشرة: إن الذين أفنوا حياتهم فى خدمة كل أنواع المباحث من «التموين» لـ«أمن الدولة» وفى كل العصور، هؤلاء سوف يعيشون ما تبقى من أعمارهم وهم مخبرون وسيموتون على هذه الحال، ويوم القيامة، إن شاء الله، سيدخلون النار، وهم محشورون فى زمرة المخبرين.. فاطمئنوا وطمئنونا.
■ ومن دون مناسبة معينة كذلك، فإن إخواننا الذين عاشوا خدمًا وأبواقًا ومداسات (من كل المقاسات) للمخلوع أفندى وولده ونظامه وأركان عصابته، ثم لما قامت ثورة 25 يناير ومات الشهداء وضاع نور البصر من عيون آلاف الشباب تشقلبوا وانقلبوا فورًا وامتطوا «حمار الندالة» واشتطوا وتطرفوا جدًّا فى شتم أسيادهم القدماء ونافقوا الثوار بعنف ونشلوا شعاراتهم وهتافاتهم وراحوا لمدة أسابيع يغنونها ويتحزمون ويرقصون علنًا على أنغامها إلى أن ظهرت الرؤيا وانقشع غبار الثورة، وبدا لهم أن شيئًا لم يتغير وأن خلف كل قيصر حراميًّا ينخلع يأتى قيصر جديد بعصابة جديدة، عندئذ عاد الأندال واستبدلوا حمير جماعة «إخوان الشياطين» بحمير المرحلة المؤقتة، ولولا أن ثورة 30 يونيو داهمتهم، فقد كان بعضهم على وشك أن «يُرَكِّب لحية» يزوِّر بها خلقته أو يلبس طرحة، وربما يغرس بين شفتيه مسواكًا كمان، تماشيًا مع طبيعة المرحلة المستجدة، إذ إن المضطر الندل -كما لا يغيب عن فطنة حضرتك- مستعد لأنْ يركب أى حاجة وينزل فى أى حتة فى أى وقت.. وانظر الآن حولك من فضلك!!
■ ومع ذلك يا سيدى، فالنفاق والندالة -تمامًا كما التخلف- هما جميعًا من حقوق الإنسان، لكنْ للإنسان الشريف العفيف حق ثابت تكفله كل الشرائع، أن يفيض به الكيل وقبل أن يطق من جنابه زهقًا وقرفًا من حقه أن يرفع رأسه إلى السماء هاتفًا بالدعاء المأثور: يشفى الكلاب ويضركم يا منافقون يا مخبرون يا أندال ياولاد «الكذا»...
■ غير أننى، بفضل الله وبعد جهاد طويل نجحت إلى حد معقول فى ترويض نفسى وتعويدها على التعاطف حتى مع البشر المنحرفين المشوهين عقلًا وروحًا وأخلاقًا، وأحيانًا أعتبرهم ضحايا جريمة إشاعة البؤس والتخلف والجهل، وكثيرًا ما ضبطت نفسى ميالًا للإشفاق عليهم أكثر من النفور والقرف، كما أننى تدربت على كبح جماح مشاعر الغضب منهم وصرت أوفرها للمجرمين الأصليين الذين جعلوهم هكذا.
ومع ذلك أكذب لو قلت إننى قادر طول الوقت على تملق هؤلاء الضحايا البؤساء المقرفين وسكب آيات النفاق على عتبات حالتهم التى لا تسر عدوًّا ولا حبيبًا، لهذا يحدث كثيرًا أن لا أستطيع إخفاء حزنى واشمئزازى من بؤسهم العقلى وتشوههم الروحى وتواضع قدرتهم على التحلى بمكارم الأخلاق والحفاظ على الفطرة السليمة الجميلة التى فطرهم المولى تعالى عليها.
أقول قولى هذا على سبيل التوضيح، وبالمرة لكى أذكر المنافقين الأندال جميعًا بالحكمة الخالدة القائلة: ما استحق أن يولد من عاش لبنيته التحتية فقط (أى معدة وبدن وخلافه) وهجر ونسى «بنيته الفوقية» حيث الثقافة والأفكار والعقائد والأذواق والأخلاق، وسائر منتجات الترقى والسمو الإنسانيين.
وصباح الخير..