وصلنا على موقعنا الإلكترونى عبر الإنترنت سؤال من السيدة/ إيمان أحمد.. تقول فيه: هل يجوز للحاكم أن يأمر بوقف الحج لأى سبب من الأسباب؟ نشكر ابنتنا صاحبة السؤال وللإجابة عنه نقول:
بداية بتوفيق من الله وإرشاده، وسعيًا للحق ورضوانه، وطلبًا للدعم من رسله وأحبائه، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد بن عبد الله، أيضا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحد منهم.. أما بعد فللحاكم وقف الحج لعام أو لأعوام، لسببين شرعًا: هما وجود فقر واحتياج شديد لأهل البلد إلى مال الحج، والثانى الخوف من هلاك النفس، استنادا إلى قوله تعالى فى الآية 177 من سورة البقرة «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ»، وفى الآية 195 من سورة البقرة «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، ومن نفس السورة الآية 215 قوله تعالى «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ»، ومن نفس السورة الآية 286 قوله تعالى «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام «لا ضرر ولا ضرار»، وقوله أيضا «إن لربك عليك حقًّا ولنفسك عليك حقًّا ولأهلك عليك حقًّا فأعط كل ذى حق حقه». رواه البخارى «1867»، أما بالنسبة إلى السبب الأول فعندما شَرَع الله الحج كان الهدف الرئيسى تجميع المسلمين لذكر الله وقضاء مصالح لهم، ولم يُلزم الشارع الإلهى غير الغنى المقتدر بالحج، لأن قصد الشارع الإلهى الرئيسى هو العدالة والكفالة الاجتماعية، لذا قدم الشارع الإلهى فرض الزكاة على فرض الحج، لأن هدف الشارع هو صالح الخليقة، ولأن الله غير محتاج وفى غنى عن كل المخلوقات، والشارع الإلهى عندما جعل فرض الزكاة مقدما على الحج لم يكن هباء، ولأن حق العبد على العبد يُقدم على حق الرب، لأن الرب ليس فى احتياج إلى العبد، ولأن الكفالة الاجتماعية هى من أولى مقاصد الشارع الإلهى. وأيضا لنا أسوة فى ما فعله الصحابى الجليل عبد الله بن المُبارك، عندما كان يتجه من المدينة إلى مكة للحج، ورأى طفلة يتيمة تبحث فى الزبالة عن طعام فأعطاها مال الحج، وقال هذا حجنا، فأرسل الله ملائكته تحج عنه، لأن الحج معنى روحى، والله موجود فى كل مكان. ومَن مِن حجاجنا ومعتمرينا لا يرى أطفال الشوارع ومن يأكلون من الزبالة، وطوابير الخبز، وعنوسة الشباب، والأطفال الذين يموتون لعجز أهاليهم عن توفير الغذاء والعلاج، ومن يموتون فى مراكب الهجرة غير الشرعية هربًا من الفقر والموت، بخلاف المحتاجين من أسرته وأقاربه وجيرانه وأهل بلده، لذلك نرى أن الله لن يقبل حجة مواطنى الدول الفقيرة وعمرتهم لمخالفتهم قصد الشارع الإلهى الذى جعل أكثر من 80% من رسالته لتعاون الناس وتكافلهم، ويجوزُ للحاكم وقف الحج لدعم الفقراء بمال الحج. أما بالنسبة إلى السبب الثانى وهو الخوف على النفس من الهلاك، كما يحدث الآن من تفشٍّ لمرض فيروس كورونا بالسعودية، مما يعطى الحاكم الحق فى وقف الحج لحماية الناس من الهلاك وانتشار المرض بين الناس بطريق الانتقال من الحجاج، لأن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، حتى لو عطلنا أو أوقفنا ركنا أو فرضا كما فعل الخليفة عمر، عندما أوقف حد السرقة فى عام الرمادة، لأن الضرورة تبيح المحظور. وعلى الله قصد السبيل وابتغاء رضاه.
الشيخ د.مصطفى راشد عالم أزهرى وأستاذ للشريعة الإسلامية وسفير السلام العالمى للأمم المتحدة.
ورئيس جمعية الضمير العالمى لحقوق الإنسان وعضو اتحاد الكتاب الإفريقى الآسيوى ونقابة المحامين المصرية والدولية والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان.