يدهشك البعض، خاصة إذا كان شاباً، حين يقول لك: كيف سنضمن احترام الرئيس القادم للدستور والقانون؟ وكيف نضمن أنه لن يغير الدستور ويبقى فى السلطة 20 أو 30 عاماً؟ وكيف نضمن مساراً فيه احترام حقوق الإنسان والديمقراطية والقدرة على التنمية والبناء على أرض الواقع وليس بالشعارات؟
والمدهش أن هذا الشاب حين يسوِّد لك الدنيا، ويحدثك عن جهل المجتمع وارتفاع نسبة الأمية، وتسأله ماذا فعل لمواجهة كل هذه المثالب فسيرد عليك بأنه يناضل على الفيس بوك وعلى التويت والريتويت.
كيف يمكن أن تغير واقعك دون بناء مشروع واحد ملهم حتى لجيرانك، كيف يمكن أن تبنى بديلاً واحداً ينال تعاطف ألف شخص طبيعى من خارج الجيتو الذى تعيش فيه.
مصر لن تتغير إلا باستدعاء مشهد شباب مصر الذى وقف يوم 12 فبراير يكنس الميادين وينظف الشوارع ويطليها فى رسالة رمزية للعالم كله: «الشعب يريد البناء».
والحقيقة أن البناء هنا لا يعنى فقط تأييد المرشح الذى يردد شعارات العمل والبناء، إنما بتقديم مشروع بديل قادر على منافسة مشروع الرئيس الذى يدعو للبناء.
البعض تصور عقب يناير أنه يمكن بالشطارة والفهلوة أو الصراخ والصوت العالى، أو الدهاء والكمون، أن يحقق أهداف الثورة أو يقتنص السلطة التى كانت هدفه الوحيد منذ البداية.
البعض اعتبر الثورة هدفاً، والفعاليات الثورية هى وسيلته الوحيدة للعمل السياسى، والبعض الآخر اعتبر أن كل تحالفاته مبنية على هدف واحد هو: كيف يصل للسلطة بصرف النظر عما إذا كان قادراً على أن يحسن إدارتها من عدمه.
ودخلنا على مدار عام بعد ثورة يناير فى معارك طواحين الهواء: تارة مع حكم العسكر الوهمى، وتارة مع الفلول ورموز النظام القديم وليس منظومة النظام القديم التى احتفظ بها الإخوان كما هى وغيروا فقط فى الرؤوس، بعد أن وقعنا جميعاً فى فخ مواجهة الأشخاص فى حين أن التحدى الحقيقى كان فى مواجهة المنظومة القديمة التى أنتجت هؤلاء الأشخاص.
نعم كان هدف ثورة 25 يناير إسقاط رئيس بقى فى السلطة 30 عاماً، وإجهاض مشروع التوريث، وبناء نظام سياسى جديد، وليس إسقاط الدولة ولا خطفها ولا تحويل الثورة إلى مهنة أو وظيفة إنما فتح الباب أمام بناء نظام ديمقراطى عادل يعيش فيه الجميع بكرامة وحرية.
متى سيعود ملايين الشباب الذين ملأوا الميادين إلى ساحات العمل والبناء فى السياسة والاقتصاد؟ متى سيعى هؤلاء أن تغيير المشهد القادم لن يكون إلا بالإيمان بأن دور الشباب وقدرته على بناء بديل هو الذى سيحدد مستقبل هذا البلد، وأن النجاح الحقيقى لن يكون بإسقاط الرئيس القادم ولا بالاحتجاج الدائم ضد سياساته، إنما فى بناء بديل قادر على الوصول للسلطة عبر انتخابات حرة وليس إسقاط كل رئيس لصالح الفراغ والفوضى والعشوائية.
السؤال المؤلم: كيف تحولت هذه الصورة المبهرة التى رأيناها فى ميادين مصر عقب تنحى مبارك إلى صور للعنف والمزايدة والسُّباب عاشت فيها البلاد على مدار 3 سنوات؟ إن مصر لن تتقدم خطوة واحدة للأمام إلا إذا قدم كل داعٍ للتغيير والإصلاح بديلاً سياسياً واقتصادياً للرئيس أو الكيان أو المؤسسة التى يعترض عليها.
amr.elshobaki@gmail.com