حسام محفوظ18 مايو 2014 06:31 م
>> جمهور الفيس بوك يعتبرها أكثر شرا من المسيخ الدجال.. وأسلوبها يشبه ما يفعله أبطال المصارعة الحرة
مثلما نسخر هنا فى مصر فى نكاتنا من غباء الصعايدة، وهو تصنيف عنصرى يدينه أى منطق أو حس سليم، يسخر الأمريكان فى نكاتهم بشكل عنصرى مماثل من غباء الشقراوات، ويعتبرون أن المرأة الشقراء هى أقل الكائنات الحية ذكاء على الإطلاق، وبالتالى يجب عليك ألا تندهش من أى تصرف عجيب تقوم به أى شقراء، ولو دخلت أى موقع إلكترونى أمريكى للنكات فستجد كاتيجورى كاملا مخصصا للتندر على غرائب الشقراوات.
لو عرف مشاهدو التليفزيون المصرى هذه الحقيقة البسيطة، لربما وفروا على أنفسهم الكثير من الدهشة، أو حرقة الدم، أو الغيظ المكبوت، لما تقوم به المذيعة الشقراء ريهام سعيد.
اعتدنا فى الفترة الأخيرة على جلسات محاكم التفتيش الغليظة المصطنعة التى تقيمها المذيعة الشقراء لضيوفها، وكأنها صارت المدعى بالحق الإعلامى المكلف من عموم الشعب المصرى بعقاب المجرمين، حتى صار الظهور فى برنامجها جزءا من العقاب العسير الذى يبتلى به الله المتهمين، لدرجة أن جمهور الفيس بوك صنع لقاء تخيليا بينها وبين المسيخ الدجال، يتوب فيه الكائن الشيطانى إلى الله ويتخلى عن مهمته فى إفساد الناس، لأنه التقى بقوة شريرة أفظع منه!
المشكلة التى تواجهنا الآن هو أن تتم محاكمة الضيوف (وبالتالى المجتمع) أخلاقيا بمنتهى العنف والتخشب على الشاشة، بواسطة مذيعة شقراء سافرة فى دولة 90% من نسائها محجبات، وبالتالى لو وضعنا المذيعة الشقراء نفسها تحت مقصلة الحساب الأخلاقى العسير فلن يبقى منها شىء يذكر، خاصة أنها تمثل الآن فى مسلسل بعنوان «قلوب» يقول عنه بعض المتخصصين إنه أسوأ من فيلم حلاوة ورح، أو كما قال عنه الناقد نادر عدلى: «إذا كان الشارع فيه سفالة، فليس من الضرورى أن يتضمن الفن هذه السفالة».
لكن الذى لا تفهمه المذيعة الشقراء، أو تفهمه وتتغابى عنه بدهاء إعلامى عظيم، هو أن المجرم – أى مجرم- لا يحاسب أبدا على «لا أخلاقية» أفعاله، بل على مدى خرقه للقانون، أو كما يقول أستاذ القانون والقاضى الألمانى بيرنارد شلينك فى روايته المعروفة «القارئ»: السؤال أمام أى قاض ليس هل كان هذا الفعل خطأ أم صوابا، بل هل كان هذا الفعل قانونيا أو غير قانونى. وبالتالى فالهولوكوست الأخلاقى الذى تقيمه راعية الفضيلة الأولى فى مصر لا قيمة له، لأن تجاوز الأخلاق ليس جريمة.
المذيعة الشقراء التى تقاطع ضيوفها وتتكلم أكثر مما يتكلمون تعرف كيف تغازل آذان القراء، وليس عقولهم. لهذا فهى تسمعهم بالضبط ما يحبون سماعه لكنهم لا يعملون عقلهم فيه، فهى تقول بحرارة وإخلاص جديرتين بأوسكار أفضل ممثلة، إنها تتمنى أن تطبق الشريعة الإسلامية فى مصر، فتقطع يد السارق وترجم الزناة، لأنها متأكدة (زاد الله بصيرتها نورا) أن هذا لو حدث فى مجتمعنا فستتوقف الجرائم حتما، وهو كلام لا يستحق حتى أن يوصف بأنه للاستهلاك الإعلامى، بل هو للاستهلاك المنزلى، تقوله ريهام سعيد كى تمصمص ربات البيوت شفاههن ويدعون بالهداية لهذه الفتاة طيبة الأصل التى لا ينقصها إلا مسوح الصوفية لتكون من وليات الله الصالحات.
المذيعة الشقراء تتجاهل عن عمد أن المملكة العربية السعودية تطبق الشريعة الإسلامية بصرامة منذ عشرات السنين ومع ذلك لم تختف الجريمة بين أهلها وما ينبغى لها، لكنه كلام ابن عم حديث تدغدغ به مشاعر المستمع وتدعى به البطولة مجانا، بالضبط مثلما كان طردها للضيفة الملحدة فى حلقتها الأخيرة بدعوى أنها أهانت الدين الإسلامى ادعاء مجانى للبطولة، لأنها استضافت الملحدة وهى تعرف آراءها جيدا قبل بداية الجلسة، وتعرف جيدا ما هو نوع المياه التى سيخوض فيها النقاش داخل الحلقة.
كان لصديقى العزيز شريف عرفة، رسام الكاريكاتير والكاتب فى مجال التنمية البشرية، تجربة خاصة جدا مع ريهام سعيد قبل الثورة، عندما استضافته فى أحد برامجها للحديث عن خبراته فى التنمية البشرية، ولأنها شقراء فهى لم تكن تعرف الفرق بين التنمية البشرية والتحليل النفسى والتنويم الإيحائى وألعاب الحواة، لهذا طلبت منه طلبا غريبا جدا أثناء تسجيل الحلقة، وهو أن ينوم أحد المتطوعين مغناطيسيا ويستخرج من داخل عقله معلومات لا يريد الإفصاح عنها، وعندما شرح لها شريف أن مجال تخصصه بعيد كل البعد عن هذه الأفعال، وأن المكان الأنسب لعرض مثل هذه المهارات هو حلبة السيرك، ثارت المذيعة الشقراء وأرغت وأزبدت، وعنفت فريق الإعداد الخاص بها بشدة لأنها كانت تريد الحلقة بشكل معين يثير الجدل، وليس كلاما علميا رصينا يستفيد منه الناس وهذه الأشياء التى لا تزيد نسبة المشاهدة.
هذه هى رؤية المذيعة الشقراء لمهنة الإعلام أو للوقت المستقطع لها على الشاشة والذى تدخل من خلاله بيوت المشاهدين.. أى حاجة مثيرة فى رغيف.. وريهام سعيد التى تدافع الآن كالأسد عن حقوق الأطفال (لأن الموضوع المثير للجدل منذ عدة أسابيع كان الأب الذى اغتصب ابنته الصغيرة) هى ذاتها ريهام سعيد التى قدمت حلقة طويلة عن طفلة يتلبسها «ألف جن»، وهى حلقة من الممكن أن تلقى بها خلف القضبان فى بعض الدول التى تحمى حقوق الأطفال من الانتهاك الإعلامى.
المثير للتفاؤل أن هذا النوع من الإعلام ليس بدعة فى العالم، ولم تخترعه المذيعة الشقراء بل هو متوفر بكثرة فى بلد الشقراوات الأصلى، وهناك برامج أمريكية شهيرة، منها برنامج جيرى سبرنجر (لو شاهدته ريهام سعيد لصنعت للرجل تمثالا فى غرفتها وأشعلت له شمعة كل صباح) يأتى فيه مقدم البرنامج داخل الاستوديو برجل وزوجته وعشيقها فى جلسة واحدة، ويبدأ حوار من المكاشفات والمصارحات والاستفزازات تنزوى له ريهام سعيد نفسها خجلا، وغالبا ما تنتهى الحلقة بشجار حقيقى وصفع وركل ولكمات بين الضيوف، لهذا فالبرنامج «الإعلامى» يعين عددا كبيرا من البودى جاردات لضبط الأمور إذا زادت حدة الحلقة عن المطلوب!
لكن الفارق الكبير بين مجتمعنا الطيب المبتدئ فى هذا النوع من التغييب وبين المجتمع الامريكى هو أن المتلقى هناك يتعامل مع هذا النوع من البرامج بصفتها تسلية محضة، لا تحمل أى مضمون، بالضبط مثل حلقات المصارعة الحرة، التى تحمل الكثير من الإثارة والتشويق ولا شىء غير هذا، فلا يفكر كثيرا فى الفائدة من وراء هذه المشاهد المثيرة، ولا يسود صفحات مواقع التواصل الاجتماعى للهجوم أو الدفاع عن موقف المذيع أو المذيعة، لأنه يعرف أن ما يقوم به مقدم البرنامج هو مجرد «شو» هدفه زيادة نسبة المشاهدة، أما كل ما يشيعونه حول ذلك فهو مجرد «خيش وقش».