رجل سياسى حتى النخاع، نخاعه مصرى تمامًا، ابن بلطيم، ابن هذا البحر الكحلى الغامض المفتوح على المجهول وعلى الآخَر، البحر الذى هو أول مَن يُعَلِّم الساحلى أن الأعمار بيد الله فوق مركب، وأن الرزق بيد الله فوق زورق، وأن الناس حين يخلعون ملابسهم لتعوموا فى البحر فهم لا يتعرُّون ولكن يتطهَّرون.
منذ اليوم الأول وهب الله حمدين المحبَّة، محبّة زملائه، فوضعوه فى قلوبهم وفى مكانة الزعيم، كثير منهم أعرفهم عن قرب وعن جدّ وعن ودّ، وكلما رأيتهم حسبتهم ما زالوا طلبة السبعينيات الذين يلتفّون حول زعيمهم، اختلفوا وتنافروا وتقاربوا وابتعدوا واشتبكوا وتفرَّقوا وراحُم وجُهُم، ومع ذلك لم يبرحوا تلك الدائرة حول مركزها، مكَّنوا حمدين من عبور آمن فى الأيام النَّزِقة ومشى متوازنًا فى السكك الزَّلِقة.
حين انتمى حمدين انتمى إلى بلده، إلى وطنه، لا إلى جماعته أو تنظيمه، وحين اعتنق فكرة سياسية اعتنق فكرة وطن عربى واحد برسالة خالدة حين تصنع مصر الرسالة على عينها وتقود الشعب العربى بعينها، كانت تؤلمه مقارنته بعبد المنعم أبو الفتوح، كيف يمكن مقارنة مصرى وطنى بإخوانى وطنه جماعته؟!
عندما تكلَّمت فى برنامجى عن لقاء السادات الشهير الذى كان يدَّعى فيه مُدَّعو أبو الفتوح أنه واجه السادات، أذعتُ كلمتَى أبو الفتوح وحمدين أمام السادات، أبو الفتوح يتحدَّث عن مصالح جماعته ويُهاجم معارضى السادات ويدافع عن وعَّاظ تياره، وحمدين يتحدَّث ويعارض السادات فى كل سياساته مع الفقراء والغلابة والعمال والفلاحين ومصر التى نحلم بها وعَرق المصريين الشقيانين، ويجادل السادات ويرد عليه ويدافع عن شعب يئن وبلد يتوجَّع.. وعن قرار وطنى مستقل ضد التبعية كان كلام حمدين مشرقًا ومشرِّفًا ووطنيًّا ومصريًّا معجونًا بطمى نيلها، وكان كلام أبو الفتوح زى النيلة، كانت المقارنة تصب فى صالح هذا الفتى الشجاع المنحاز إلى وطنه، أمام هذا ابن الجماعة والتنظيم السرى والتيار المعتم، كلّمنى ليلتها حمدين ليشكرنى برقّة، بدا مجروحًا من أن هذا الإنصاف جاء بعد خمسة وثلاثين سنة من نفخ كذبة الآخرين التى صدَّقوها وروَّجوها للأطفال والصبية بعد يناير، ألححت عليه أن لا يتواضع وأن لا يخضع لابتزاز البعض، وأن يقول رأيه صريحًا وحادًّا وواضحًا فى أبو الفتوح، بعدها بأسابيع كانت شعبية حمدين تصعد وتتصاعد وتصفع الرُّقعاء.