هذا سؤال خاطئ.. خصوصًا والملاحظة الكبيرة ستكشف زيادة عدد المكتبات بعد نجاح موديل مكتبة «ديوان» بالزمالك «المكتبة المنسقة بكتبها البيست سيلر.. العربية والإنجليزية + الكافيه + بيت الهدايا» الموديل الذى بدا فى أول ظهوره منذ عشر سنوات مغامرة تسير على خطى متاجر «الفناك» الفرنسية فى لحظة ذبوله أو تحولها إلى متجر بيع أجهزة التليفون المحمول، لكن «ديوان» نجحت.. فى توازن ما بين البزنس واتساع مجال بيع الكتب.. تعبيرًا عن رغبة ما من برجوازية المدينة فى ملاحقة «البيت سيلر». نسخ من «ديوان» تنوعت بين ميل إلى النخبوية الأنيقة/ والمذاق الأكثر ميلًا إلى ثقافة بوهيمية.. لكنها بدت بقعًا فى مدينة لا تقرأ.. أو لا تضع الثقافة فى قلب حياتها.
مدينة يعادى حكامها الثقافة ويعتبرون المثقفين أراذل.. ويبيعون أوهامهم فى «سوق الفضيلة» و«مقاولات الأخلاق..» التى تتعارض مع «الفكر الذى تأتى به الكتب/ والفكر يعنى شعبيًّا: الهم الزائد». الأمية إحدى أدوات الديكتاتورية السهلة وهذا ما يجعل النسبة تعلو وتنخفض لتدور حول نسبة الـ30٪ هم الذين لم يدخلوا المدارس أو المعسكرات الوهمية لمحو الأمية، بينما النسبة الباقية احتلت موقع «الأمية المتعلمة» بينما شرائح البحث عن بيست سيلرز تنشر إحساسًا متخيلًا باتساع القراءة/ أو توزيع الكتاب/ بينما تبقى للقراءة زواياها القليلة كقبائل الرحل القلقة التى لا تستقر فى كابينة البضائع لأى نظام أو التى لا تبحث عن دور الجسر الذى يوهمها دائما بموقع التميز وتدفع فى مقابله فاتورة قيادة الشعب إلى حيث يستعرض طغاته مواهبهم فى الترويض. وفى المدارس لا يتعلم الطلاب القراءة.. يتعلمون فك الخط.. وهذا مختلف تمامًا / خصوصًا عندما تنضم إلى جماعات تملأ فراغ عقلك ببروجرام كامل.. من أفكار تحشو الدماغ/ وتصبح ضد التفكير.. أفكار ضد التفكير/ وحياة لا لذة فيها لأنها مثل الإقامة فى عشة فراخ لا تعرف فيها إلا ما يجعلك باقيًّا على قيد الحياة.. القراءة هنا ليست ترفًا.. أو تسلية عابرة/ مع احترامى للترف/ ومحبتى للتسلية.. لكن القراءة هى الخروج من سجن اللحظة/ إلى حيث تبدو البشرية فى رحلة تحررها من الأوهام.. عدو القراءة هو صديق المستبد وحبيبه/ عاشق الأوهام/ فخور بالجهل يخترع نظريًّا تسويقه باعتباره حقيقة لا شك فيها..
وهكذا كانت قراءة الكتب محظورة على العبيد فى أمريكا. السادة البيض حكموا بالتعذيب على أى عبد أسود يضبط ومعه كتاب. لهذا فالكتاب عدو الديكتاتور، والقراءة رحلة ممنوعة فى كل تنظيم أو جامعة أو دولة تقوم على الوصاية والتسلط. المنع يقوم على فكرة «أن هذه كتب تفسد العقل» والمعنى الحقيقى للجملة الخالدة: «..إنها تجعل صاحب العقل غير قابل للسيطرة»، ولهذا تجد فى تنظيمات الأيديولوجيا المغلقة قائمة بالكتب الممنوعة قبل تشجيع فكرة القراءة نفسها، كما أن الإخوان وحسب شهادات شخصية كانت سبب الانشقاق الشاب عن الإخوان، لأن تربية الإخوان تقوم على فرض كتب معينة (عمومًا رسائل حسن البنا وفى الزواج «تحفة العروس»).. وفى المقابل منع أى كتاب غير موثق (أى لا تتم الموافقة عليه أو على المؤلف). الهدف هنا هو غسل الدماغ بصنع تقديس حول أفكار عادية (وربما تافهة لشيخ نشيط حركيًّا مثل البنا).. كتاب الرسائل هى تعليمات أو بروجرام وليست أفكارًا (يمكن الاختلاف عليها أو البناء عليها..) والقراءة بعيدًا عنه ومن وجهة نظر التنظيم لا بد أن تكون لإثبات وتأكيد صحة فكرة التنظيم وعقيدته التى لا تجعل القارئ شاردًا عن القطيع.
حكايات الخروج عن «السمع والطاعة» (أتحدث عن الخروج أو التحرر.. لا الانشقاق الذى يعتبر إخوانيًّا أكثر من الإخوان..) تبدأ بالقراءة. الكتب تحرر العبيد.. تحرضهم على رفض الظلم والفساد والتحكم بالريموت كنترول فى الحياة الشخصية للرجل أو المرأة.
والسادة يخافون من الحرية.. والمعرفة.
يريد الديكتاتور شعبًا من الأغبياء.
الأغبياء أسهل فى الحكم.
(من حكايات القاهرة)