66 سنة وما زلنا فى «النكبة».
ما زال تأثير الهزيمة أقوى من الانتصار.. ما زلنا ننتظر «بطلا» وراء بطل.. وبينما يحاكم إيهود أولمرت على «جريمة» ارتكبها عندما كان رئيسا للوزراء... لا يمكن محاكمة رئيس ولو بعد ثورة.. وهناك من يهدم الدولة باسم الدولة.. ومن يقفز على القيم والحقوق والحريات باسم «الوطن..».
بعد 66 سنة الكذبة الكبرى التى بنيت عليها «إسرائيل» أصبحت واقعا وحقيقة، بينما كل شىء لم يعد طبيعيا فى العالم العربى إلا الشعور المفرط بالعجز والخيبة. فلسطين التى تربينا فى المدارس على أنها قضية العرب الأولى تحولت إلى كرة بنج بونج بين «حماس» و«فتح».. وأصبحت «إسرائيل» صنيعة العصابات الصهيونية.. والكيان المنبوذ الباحث عن اعتراف.. وخطة زرع مضافة على «سايكس بيكو»... هى «الكيان» «المعترَف به» سرًّا أو جهرًا.. والواقع الذى تترتب عليه المنطقة كلها. وليست المشكلة فى الاعتراف من عدمه، أو التعامل مع إسرائيل على أنها «دولة» أو «كيان».... لكن فى التعامل كأن إسرائيل بما أقيمت عليه من احتلال واستيطان وتوسع.. لم تعد عابرة.. وتبدو اليوم فى حصنها الحصين، كأنها الشىء المستقر وسط محيط من العبث واللا منطق.. واللا قانون. المعادلة لم تنقلب فقط.. ولا الهزيمة استحكمت.. لكننا نواجه ما أخفته سنوات ما بعد «وعد بلفور».. ومتتالياتها من «النكبة» إلى «النكسة».. نواجه فشل الدول فى أن تكون «دولًا..» والمجتمعات فى أن تكون «إنسانية..».. لم يعد باقيًا من هذه الدول والمجتمعات إلا قطع بازل لملعب أممى كبير. ليست سوى قبائل وطوائف/ دينية ومؤسساتية/ و«مشاريع دول تحت الإنشاء»... تتصارع لترث احتلال الأرض التى تركها الاستعمار الأجنبى.
هذه الأنظمة ما زالت ترفض ترك السلطة ولو تحولت إلى مومياء.. أو حكمت من على مقعدها المتحرك... هذه شعوب فى أسر «سلطتها العاجزة..» تلك السلطة التى تدافع عن كونها «قدرًا..» ولا شىء لديها إلا قتل الخصوم... بينما تترك مواجهة إسرائيل للمتطرف الأممى القادم من الكهوف. 66 سنة وكل شىء فى مصر والعالم العربى يتأجل من أجل الحرب مع إسرائيل، لماذا لم يفكر العرب فى صناعة دول محترمة بدلا من انتظار أبطال يتحولون إلى كوارث متحركة؟
البحث عن أبطال هو قدر الشعوب العاجزة والبائسة.... والشعوب هنا: عاجزة وبائسة... وعندما تبدو بارقة أمل من بعيد تتعلم السلطات البائسة أصلا كيف تقتلها وتعيد الشعوب إلى الوقوف فى طوابير تحت خدمة نفس السلطة بوجوه جديدة، وفى مواجهة عدو خارجى/ لا يهزم أبدا/ لكنه يظل أداة لهزيمة هذه المجتمعات وتدمير هذه الدول. لماذا الهزيمة أمام إسرائيل حاضرة أكثر من النصر؟ حتى اليوم لم تهتم جهة بإعلان المسؤولية عن النكبات والنكسات.. المسؤولية جزء من العقد الاجتماعى/ والمحاسبة أداة حديثة.. حامت التهمة على شلة الحكم وقتها. لكن لم يملك أحد الشجاعة لإعلان المسؤول ومحاسبته. حتى عندما حاول عبد الناصر إعلان المسؤولية بشكل فردى... وعلى طريقة الفرسان... لكن الشعب تعامل بشكل عاطفى وخرج فى مظاهرات التنحى تطالبه بالاستمرار.. ولتمسح العار عن زعيمها، يسيطر عليها إحساس اليتم، والتعاطف مع أب فى لحظة ضعف.
أين الدولة؟ وماذا تفعل مؤسساتها؟ ألم تكن هناك قيم أكثر تأثيرا من هذه المشاهد الأقرب إلى البدائية؟
الغريب أن إنجاز أكتوبر الأساسى هو شحن حيوية الدولة المهزومة. خرجت الدولة قوية. الرئيس السادات عاد بطلا عسكريا، وصاحب معجزات. لكنه أعلن فجأة ورغم النصر أن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا. واعتبرت هذه الجملة هى حجر الأساس فى واقعية سياسية جديدة تنهى زمن الشعارات الرنانة.
لكن غالبًا واقعية السادات لم تتحرك خطوات أبعد من عاطفية عبد الناصر. دولة الاستبداد استمرت. الفارق الوحيد أنه بعدما كان المستبد عادلًا... تخلى عن العدل.. وترك المجتمع غابة الانتصار فيها للأقوى.. حتى وصلنا إلى حكم المافيا أيام مبارك.
هذه الجمهوريات نكبة أقوى من إسرائيل... نكبة ما زالت للأسف مستمرة.