«كاميل ليب» قتلت، أمس، أثناء تغطيها أحداث العنف الطائفي في جمهورية أفريقيا الوسطى.
دائما ما نتعامل مع الموت على أنه حدث يمر ورقم نسمعه، ودائما ما نقول لأنفسنا إننا نستطيع التعامل معه، لكن عندما يأتي الموت إلى شخص نعرفه جيدا يتبدل شعور تحدي الموت إلى شعور بالحزن ليذكرنا ذلك الزائر بأن له جلالا يجب أن يُحترم. تعرفت على «كاميل» عن طريق صديقي المصور «أحمد هيمن»، جاءت «كاميل» إلى مصر في أغسطس 2011 وأصبحت متدربة معنا في جريدة «المصري اليوم» لعدة أشهر. أكلنا سويا، اتفسحنا سويا، ضحكنا سويا، وسافرنا سويا.
ذهبنا في نهار رمضان إلى إحدى القرى بالمنيا برفقة «هيمن» و«أحمد رحمي»، حيث كنا نقوم بإدخال مواسير مياه لمنازل محرومة من وجود المياه النظيفة بالمنزل، وهناك رأيت في «كاميل» جانبا إنسانيا جميلا. قامت بالامتناع عن الطعام والشراب كنوع من أنواع المشاركة الوجدانية لنا، وكانت تقوم بتصوير الأطفال ثم تريهم تلك الصور، وكان الأطفال في غاية السعادة، وأذكر أن إحدى البنات تحدثت إليها بإنجليزية متواضعة تسألها إذا كان من الممكن أن تعطيها بريدها الإلكتروني للتواصل معها فقامت «كاميل» بإضافتها على «الفيس بوك» فورا.
على الرغم من إصدار مكتب الرئيس الفرنسي بيانا، أمس، مفاده أن ما حدث لـ «كاميل» كان عملية اغتيال تستهدفها لعملها الصحفي، وأنه قام بإرسال فريق من التحقيقات الجنائية الفرنسية لاسترجاع جثتها وللتحقيق في الحادث، إلا أن هذا كله لن يسترجع الابتسامة الصادقة المجانية، والسعادة التي كانت تقوم بتوزيعها على كل من يقابلها. رحم الله «كاميل» المصورة المتميزة، الإنسانة المرحة، الحالمة، الباسمة، المتصالحة مع نفسها، المحبة للحياة والناس.
ففي مقابلة مع المصورة الصحفية «كاميل ليب» الفرنسية ذات الـ 26 عاما بعد فوزها بالمركز الثاني في جائزة صورة العام الماضي لقسم البورتريه (POYi) قالت: «أريد أن يتفاعل المُشاهد عن طريق صوري مع الذي يحدث هنا في أفريقيا، أريد أن أجعل المُشاهد يتعاطف مع البشر هنا ويتعامل معهم على أنهم أناس مثلهم وليسوا حفنة يعانون من حرب ما في مكان ما في القارة السوداء، أتمني أن يفكر المشاهد: لماذا يعيش هؤلاء في جحيم ولماذا لا نعرف شيئا عنهم والأهم لماذا لا نفعل شيئا حيال ما يحدث لهم؟، أريد من المشاهد أن يشعر بالخجل لأنه لم يقم بمساعدتهم ولم يقم بالضغط على حكومته لإنهاء ما يحدث».
ومن الكلمات التي لا يمكن نسيانها على لسان «كاميل»: «منذ نعومة أظافري وأنا أتمنى أن أذهب إلى الأماكن التي لا يريد أي شخص آخر الذهاب إليها، وأقوم بتغطية قصص النزاعات الموجودة فيها بعمق، لا أستطيع تقبل أن مآسي البشر يتم تناسيها ببساطة فقط لأنها ليست مربحة». تحدثنا منذ عدة أسابيع على «الفيس بوك»، كنت أبدي لها إعجابي بصورها التي نشرتها من جنوب السودان، فقالت لي إنها تخطط لإجازة بعد أن تنتهي من العمل في أفريقيا الوسطى وإنها تفكر أن تكون مصر وجهتها، فشجعتها ووعدتها بأن لها عندي عزومة في حال مجيئها، ولكن للأسف هذا لن يحدث، ففي السنوات القليلة الماضية تتكرر مفاجآت رحيل الذين يملكون الحلم ويمنحون الأمل.