وحدهما العصابة والجماعة يحتلان من جديد المشهد السياسى... احتلال بالمعنى الذى لا يجد فيه السيسى أجهزته فى الشوارع سوى من بقايا الحزب الوطنى، أو من الشفاشقة الهائمين على وجوههم... تحاول مجموعات شباب «مستقبل وطن» (تلك التى دربها ورباها مصطفى حجازى) لكنها ليست خبيرة ولا قوية، ولا تملك غير كتالوجات التنمية البشرية الساذجة سياسيا...
أما الجماعة فقد أعلنت عن وجودها أكثر من مرة هذا الأسبوع مرة ببيان «يسير على نهج بروكسل وينسى المرسى والشرعية ويعلن عن إمكانية التحالفات»، ويرد عليه بيان توضيحى «يعيد سيرة المرسى والشرعية»... وهو ما يكشف عن صراعات داخلية حول أداء الجماعة، التى تريد أن تحتل ذلك الفراغ الكبير المحيط بالسيسى وصحبته...
يبدو هنا السؤال المهم: أين ذهبت الكتلة الثالثة؟ هل ابتلعتها المدينة بعد أن كانت ظاهرة انتخابات الرئاسة ٢٠١٢؟
الكتلة الثالثة هى مفاجأة الانتخابات خارج استقطاب الفلول والإخوان... رفضت منطق العصابة التى خططت لكى يخطف شفيق هذه الأصوات.... كما رفضت منطق القبيلة الذى تعاملت به جماعة الإخوان المسلمين مع السياسة والثورة. الكتلة الثالثة خارج سيطرة العصابة والقبيلة. منحت أصواتها إلى حمدين صباحى وصنعت معجزته... كما شاركت فى جزء من أصوات عبد المنعم أبو الفتوح... وكانت كل أصوات مرشحين آخرين فى مقدمتهم خالد على. هذه الكتلة:
■ دافعت عن وجودها فى مواجهة ألعاب العصابة والجماعة... وفتحت لأول مرة الأمل فى الصناديق بعيدا عن سيطرة مطلقة بين الكتلتين.
■ كسرت استقطاب الإسلام والعلمانية... الذى تدور فيه الحياة السياسية منذ لعنة استفتاء مارس 2011... وتزيح من الملعب السياسى أجسادا كبيرة ميتة تتحرك بآليات وأساليب تكاد تمنع السياسة.
هذه الكتلة اختارت بالأساس حمدين صباحى ليكون ممثلها المختار؟ أين ذهبت؟ لماذا لم يتم البناء عليها وتنظيمها شبكة اجتماعية/ سياسية تدافع عن مصالحها فى مواجهة «مراكز القوة المالية»، التى تخوض حربها الكبرى لاستعادة مواقعها؟
مراكز القوة تتكالب من أجل القفز إلى سفينة السيسى؟ هم يتصورونها سفينة؟ يهربون بها من واقع أكبر من أطماعهم... وبخبرتهم ينشرون اليأس والذعر لتستقر السفينة عندهم...
وهم لا يعلمون أن السيسى لن ينجح ما دام يتخيل أنه فى سفينة.. أو يوزع حصص كعكة لم تعد موجودة. السيسى يدرك أنه فى مهمة صعبة، لكنه يتخيل أنه سيصنع المعجزة/ وهذا هو الخطر.. خطر لأن فشل السيسى «حتى بالنسبة لخصومه أو رافضى موديل الرئيس السوبر مان» يمثل كارثة كبيرة. أداء السيسى جزء من أسباب هروب «الكتلة الثالثة»/ خصوصا بعدما لم يحقق ظهوره العلنى اقترابًا من «الصورة المتوقعة..» أو المتخيلة.
هناك شىء يخص ما حدث بعد ظهور الكتلة الثالثة.... شىء يخص بناء الشبكة الاجتماعية لا مجرد «جماهير هائمة» أو «أنصار يحيطون بالنجم السياسى». كما أن التماهى أحيانا مع «الخطاب الدفاعى للدولتين» أو لعشاق الدولة المتيمين/ لم يرسم حدودا فاصلة تتجمع عندها الكتلة الثالثة حول حمدين.
الكتلة بدت أنها تتبخر وتطير وتعود إلى بالوناتها الشخصية بعد التعامل معها على أنها قطيع يدخل صفقات مع العصابة أو الجماعة.
هذه كتلة:
■ اختارت المرشح المسلم لا الإسلامى.
■ راهنت على دولة لا تعامل أحدًا بالتمييز.
■ رفضت سياسات الرأسمالية المتوحشة.
كتلة تعمل كلمة الكرامة فى نفسيتها مفعول السحر. كتلة ترفض تحول العصابة إلى واقع مفروض أو مصير محتمل... باعتبارنا فشلنا فى تخطى مبارك ونظامه ووقعنا فى الفوضى.
كتلة كانت تنظر إلى المستقبل وتخرج من عزلتها ويأسها لتحاول أن تصنعه.
عودة هذه الكتلة إلى بالوناتها واليأس أكبر خسارة للسياسة.