«ما أروع الأيام يا صاحبى لولا أنها إذا مَضت لا ترجع»، هكذا قال الشاعر، وهكذا مرَّت 22 عامًا و23 دورة من مهرجان «كان» الذى بلغ هذا العام 67 عامًا، أى أننى حضرت 30% من دوراته، أتذكَّر المرة الأولى بالمهرجان عام 1992 كأنها أول من أمس.
عندما تبدأ الخطوة الأولى تعيش حالة التوهان اللذيذ التى تنتاب مَن يدخل قصر المهرجان ويجد نفسه محاطًا بعشرات الأفلام والمؤتمرات الصحفية، وليست لديه خبرة فى التنشين، الأمر يحتاج إلى مراجعة ومذاكرة يومية ومهارة أظن أنى اكتسبتها مع تراكم السنوات.
هل أنا أقدم مصرى فى المهرجان؟ الحقيقة أن الشيوخ والعمد الحقيقيين للمهرجان والذين تجاوز رصيدهم فى «كان» ضعف سنواتى، هما الأستاذان يوسف شريف رزق الله، وسمير فريد. قبل أعوام قليلة فقط كان معنا فى «كان» الكبار أحمد الحضرى ورؤوف توفيق وكاتب السيناريو وحيد حامد الذى أخبرنى أنه سوف يعاود هذه الدورة علاقته بالمهرجان، والراحلون الأعزاء رفيق الصبان ومارى غضبان وأحمد صالح الذين أفتقد حضورهم كثيرًا.
لماذا مهرجان «كان»؟ سؤال حقيقة لم أعثر له على إجابة منطقية قاطعة.. إنه واحد من أهم ثلاثة مهرجانات فى العالم.. الاثنان الآخران «فينسيا» وهو الأقدم و«برلين» الأحدث.. لماذا لم أحاول أن أتّجه بالبوصلة فى البداية صوب إيطاليا أو ألمانيا؟ هل لأننى منذ بداية عملى بالصحافة وأنا أقرأ تغطية الزملاء الكبار عن «كان» ويتضاءل كثيرًا بجوار «كان» أى مهرجان آخر فى الدنيا؟.
أغلب الصحفيين والنقاد المصريين يتحمَّلون نفقات السفر والإقامة.. المؤسسات الصحفية الغنية -ولا أنتمى إلى أى منها- بعضها يسهم فى النفقات.
كلنا نعايش مأساة الجنيه المصرى وأحمل على أكتافى ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس فى سوق المال قبل 15عامًا عندما كان يخر صريعًا وسريعًا أمام «الفرنك» الفرنسى ثم فقد النطق تمامًا أمام «اليورو»!!
أكتب هذه الكلمة وأنا فى طريقى إلى المطار والرحلة إلى «نيس» تستغرق نحو 10 ساعات، بينها ترانزيت فى «باريس»، ثم أستقل بعدها الأوتوبيس إلى «كان»، فى تلك اللحظة أتحوَّل إلى كائن سينمائى يشاهد فى اليوم أحيانًا خمسة أفلام.. يصحو فى السادسة صباحًا ولا ينام قبل الواحدة صباح اليوم التالى.. أنتقل من أفلام «المسابقة الرسمية» إلى قسم «نظرة ما» ومنه إلى «أسبوعى المخرجين» وأعرج إلى «أسبوع النقاد» ولا أنسى قبل النهاية أن أشاهد التجارب الجديدة لأفلام طلبة معهد السينما والأفلام الروائية القصيرة، بالإضافة إلى التسجيلية!!
هذا العام ليس لنا وجود حقيقى بالمهرجان كسينما مصرية إلا بفيلم عمر الزهيرى «ماذا بعد وضع حجر الأساس فى التواليت العمومى للكيلو 375»، أُتيح لى رؤية الفيلم الذى يُعرض رسميًّا يوم 21 مايو، وسعدت بالمخرج الذى يحمل اسم مصر رسميًّا فى المهرجان وسوف أعود إلى الفيلم بشىء من التفصيل، من الممكن أن أقول لكم فى جملة سريعة هذه المرة عن الفيلم «إنه قليل من الكلمات كثير من البلاغة السينمائية».
فى العام الماضى وجدنا خارج الإطار الرسمى وشاهدنا أكثر من مخرج مصرى يحمل فيلمه على كتفه إلى سوق «كان»، مثل أحمد عاطف «باب شرق» وسعد هنداوى «دعاء وعزيزة»، فى 2012 كان لنا وجود فى المسابقة الرسمية بفيلم يسرى نصر الله «بعد الموقعة» بعد أن كان آخر حضور لمصر داخل المسابقة الرسمية بفيلم «المصير» ليوسف شاهين قبل 15 عامًا.
وفى عام 2011 كانت هناك حفاوة خاصة بالسينما المصرية من خلال فيلمَى «18 يوم» و«صرخة نملة».
يجب أن نذكر أن المخرج مارتن سكورسيزى اختار فى الأعوام الماضية فى قسم تكريم السينما العالمية فيلمَى «المومياء» و«الفلاح الفصيح» لشادى عبد السلام، وكان بالفعل حضورًا لافتًا لمصر من خلال الراحل شادى الذى صار أيقونة مصر السينمائية رغم تاريخه الفنى الضئيل بالعدد، العظيم بالقيمة، وتمضى أيام المهرجان سريعة نلاحقها بقدر ما تلاحقنا ولكنها «إذا مَضت لا ترجع».