هناك أخطاء صغيرة يعتادها الواحد ولا يقلع عنها إلا بمصيبة كبيرة.. هكذا تسير الحياة، وإذا كان المدخنون يعترضون على الصور القبيحة التى تزين علب الدخان الآن، فلا بد للواحد أن ينتصر للفكرة ويشكر صاحبها.جماليات الشكل فى علب الدخان هى «جَرُّ رِجل» للمراهقين، سبق لنا أن وقعنا فيها، عندما أُعجِبنا بمثلثات المارلبورو الحمراء فى المراهق، قبل أن تفقد هذه المثلثات جاذبيتها بعد أن لطشها مصمم أغلفة علب شاى العروسة، فصارت المثلثات الحمراء ضهر ورقة التسعيرة فوق عربات الخضار، بعد أن كانت علامة التميز فى الجيب العلوى الشفاف للقمصان نصف الكم الصيفى.
تلك الصور القبيحة ستقطع الباب على الأقل أمام فئة تحمل علب الدخان للمنْظَرة، كنت أفكر فى هذا، بعد أن اهتزت جدران حمَّام كافيه على طريق الإسكندرية.. كحة الشخص الواقف إلى جوارى يعانى فى سبيل التخلص من البول، بينما السيجارة تتدلى من فمه!.
وهناك حكاية شائعة عن شخص طلب من شيخ أن يدعو له فقال له «روح يا رب تاكل وتشخ»، اندهش الرجل من الدعاء الساذج وقال للشيخ «خليهولك»، بعد شهور مات الرجل بعد أن انفجرت مثانته! فلتحمد الله يا صديقى على ما تراه حقوقًا مكتسبةً.
قبل دخول الحمَّام كنت نائمًا طول الطريق، أفضل النوم على الطرق الطويلة، لأن إيقاع السفر يفك مسامير الذاكرة ويدهْوِلّك ملفات المخ وسرعان ما سترى عبر شباك القطار أو السيارة أو الباص كلَّ مَن رحلوا عن حياتك يلوحون لك من بعيد. الأموات يظهرون على الطرق السريعة، فحاول أن تشغل نفسك بشىء أو فلتستسلم لهم، لكن ما ترجعش تشكى، أو كما قال نيتشه «لا تحدق فى الهاوية وإلا حدقت فيك»، فالجزاء من جنس العمل، ومن سبق لهم أن خططوا لجعل أكثرية أهل البلد غرباء هم الذين «تغرّبوا» فى النهاية، لا تعتقد أنهم سعداء فى غربتهم المكيفة فى فنادق فخمة بولائم كبيرة، فكما يقول أحدهم «ما دمت قد خربت حياتك فى هذا الركن من العالم فحياتك خراب أينما حللت»، هم يستحقون الشفقة مثل الرجل الذى يقف إلى جوارى الآن يتمنى أن يعود شابًّا سليمًا معافًى فى صدره ومثانته، وددت أن أقول له إن الشيخوخة صارت هى السمة المميزة للإنسانية فى الألفية الجديدة، بغض النظر عن متوسط أعمار سكان الكوكب.
فقد شاخت البشرية وتستعين على الحياة بالأجهزة والمستحضرات الطبية وعمليات التجميل والعلاج بالأعشاب، أو كما قال أحدهم من قبل إن البشرية تستطيع أن تصل إلى المريخ، لكنها أصبحت عاجزة عن عبور الطريق لزيارة أحد الجيران.
أنا شخصيًّا أحمد الله على أننى ما زلت قادرًا على التخلص من المياه الزائدة فى الجسم، بل إننى أمتلك مهارة أن أفعل شيئين فى الوقت نفسه، التخلص من المياه الزائدة والتفكير، الآن أفكر فى معيار ضائع يجب استخدامه لتقييم المرشحين فى الانتخابات، فالبرامج متشابهة، وحب البلد لا كتالوج له يمكن استخدامه فى تقييم هذه المحبة، والشعبية ليست معيارًا كافيًا حتى وإن كانت الطريق إلى النجاح، فقد سبق للتيار الإسلامى أن نجح باكتساح قبل أن تكسحه أكثرية من انتخبوه.
أفكر فى أن المعيار الضائع هو تأمّل مصير المرشح، إذا فشل فى الانتخابات لتحديد قيمته الحقيقية، حمدين مثلًا بعد فشله سيظل حمدين السياسى المعارض الذى تعاقبت عليه الأنظمة والانتخابات دون أن يتغير خط سيره أو مصيره، لو كنا استخدمنا هذا المعيار من قبل ما كانت الإعادة لتصبح بين مرسى وشفيق. ورسب شفيق فاستقر فى دبى حتى بعد رحيل الاخوان، ولو رسب مرسى لعاد مجرد نفر فى جماعة بها من هم أهم منه تنظيميًّا وتأثيرًا، وأرجو أن لا تشغلك العودة لتطبيق النظرية على الماضى عن استكمال التفكير فى المستقبل بالنظرية نفسها.
عمومًا هذه مجرد نظرية، وأدعوك لأنْ لا تستسلم لأية نظرية، عندك مثلًا النظرية الطبية التى تحدد موضع المثانة فى منتصف الجسم لا بد وأنها خاطئة، أشعر أن المثانة، ولا بد، أنها فى المخ، وتذكر كم مرة تخلصت من المياه الزائدة فأدرت ظهرك للحمام سعيدًا وقد سيطر الصفاء بقوة على كل خلايا ذهنك.
لا تنسى استكمال تطبيق النظرية.