حتى السيسى يشعر أنه بطل/ منقذ/ صانع معجزة «عملتها فى الجيش... وهاعملها فى الدولة..»، لا أحد يسأله ماذا فعل فى الجيش؟ ولا أحد يخبره أن ما ينجح فى الجيش قد يفشل خارجه/ وبالطبع لم يلفت أحد انتباهه أنه بيفعل مثل المرسى حين قال «يا ليت مصر كلها الجماعة..»، وهو يقول: «يا ليتها... جيش..».
هى لحظة عابرة... تسيطر عليها الشعارات آكلة البشر... وبعد أن تعامل الإخوان كأنهم غزاة قادمون من عالم آخر «يحملون الخير لمصر»، الحملة اختارت للسيسى أو السيسى اختار لها شعاره «تحيا مصر...». كأنه يؤدى تحية عسكرية/ أو فى مهمة قتالية/ أو لترسيخ ذلك المفهوم الثقيل للوطنية باعتبارها «كهنوتا غامضا يعرفه أصحابه...»، لماذا تحيا مصر لا المصريين؟ ولماذا عندما يطالب المصريون بحقوقهم يكون وصف حالهم هو «... هتاكلوا مصر..»؟ كأن مصر كيان متعال مقدس فوق البشر والواقع وفوق كل شىء... وهذه مفاهيم سقطت مع الأخوين هتلر وموسولينى، لأنها كانت وراء قتل ٨٠ مليون إنسان لتحيا «ألمانيا أو إيطاليا...»، أو بالمعنى الأدق ليحكم كل منهما العالم.. أو يستحق العالم أن يحكمه مجنون بالسلطة. عندما تفصل مصر عن المصريين «أى حقوقهم وحرياتهم ورغبتهم فى السعادة» فمن حق الرئيس أن يشعر نفسه أنه «الحاكم بالله»، و«سوبر مان»، ومن الطبيعى أن يتدلل ويتبرم ويقول «أجيبلكو منين؟» أو تتصاعد نرجسيته ليتخيل أنه سيربى الناس أو يعلمهم الأخلاق.
هذه هى الصورة التى تملأ الفراغ الكبير الذى يتحرك فيه السيسى، حاسمًا أمره مطمئنًا إلى أن مناماته تتحقق، وهذا دليل وحده على أنه «سوبر مان عظيم»، أو «أعظم من أنجبت هذه الأرض فى ٦٠ سنة..». هذه صورته عن نفسه.. لكن هذا ليس كل شىء... الجماهير العريضة تشعر بضعف وبؤس ستختار على أساسهما مواصفاتها فى «السوبر..» الذى سيطير فوق الواقع المعقد وينقذهم من الخطر.. كيف؟
لا أحد يهتم بهذه التفاصيل.. فهذه لحظة رعب كبيرة.. لحظة فقدان ثقة بالذات...فالتغيير أتى بالغزاة المحليين الذين أرادوا أن يكون «استعمارا... يقتلنا لكى نصبح مؤمنين وندخل الجنة..».
السوبر مان يشبههم، بينما المهتمون بالسياسة فعلًا أو كتابةً، والحالمون بدولة تسقط من يوتوبيا الأعالى، فإنهم يدققون فى تفاصيل المسار الديمقراطى... وتصطف الصفوف خلف رفض «العسكرة»، أو «تمدينها»... أو «ماذا سيفعل المرشح المدنى فى بلد يختار سوبر مانه الكاكى؟».
فى انتظار المعجزة لا شىء واقعيا فى الواقع تقريبا. كل حدث يتحول إلى كارثة منفوخة بالحشو التاريخى لمفاهيم متصارعة بعد سنوات سكون طويلة. صراع ديَكَة، لا أصول ولا فهم فيه. لكنها انحيازات تبدو قدرية تنتهى كلها «بهذه طبيعة المصريين....»... نهايات تبدو حاسمة، لكنها مثل ضغط الفرامل فى سيارة قبل المنحنى، فإنها لا توقف السيارة لكنها تعرضها للخطر.
وهنا يمكن أن يتعامل السيسى: «المهم الدولة لا الديمقراطية»، متخيلا أن الدولة هى ماكينة تدار بطريقة واحدة دون أن يحاسبها أحد/ أو يوقفها أحد.
فى هذا المفهوم المجتمع هو هبة الدولة.. ماذا تنتظر من مؤسسات لم تحاسب نفسها، لا فى هزائم عسكرية مثل 1967/ ولا فى كوارث مثل تصادم القطارات وحرقها أو غرق العبارات؟... وهذه مجرد أمثلة لم تكن نقطة تحول وتطوير، بل كانت معركة دفاع عن العجز بمبررات تبدأ بأن هذه «حوادث تقع فى كل الدنيا..»، وتنتهى بـ«إنكم تتصيدون الخطايا..».. وبينهما تسقط التفاصيل ويمنع التفكير والتعلم من المأساة.
وهنا المأساة...
وهنا المأساة فى اعتبار «الفشل وطنيًّا...» والنقد لمؤسسات الدولة «.. خيانة لمصر»