لم نلتقِ وجها لوجه، فى الحقيقة لا أتذكر، ربما لقاء عابر، ولكننا تحدثنا تليفونيا أكثر من مرة. كنت أتابعه وأعتبره واحدًا من فرسان الكلمة الغنائية، فى زمن شحّت فيه المواهب، وتحول مؤلفو الأغانى إلى «موَلِّفى أغانى»، الهمزة تفرق كتير.
ومن أوائل من أنصتّ إليهم فى هذا الجيل الشاعر مجدى النجار، وجدت فيه نفسًا يحمل ألَقًا خاصًّا يعانق حروف كلماته.
أمس وجدت رسالة على الموبايل، فى البداية سعدت وأنا أقرأ اسمه مجدى النجار، ثم فُجعت عندما قرأت الرسالة: «توفى إلى رحمة الله تعالى اللواء الشاعر مجدى النجار، والجنازة اليوم الجمعة، الحامدية الشاذلية بعد الظهر». يبدو أن هناك من أرسلها مستعينًا بكل الأرقام المسجلة على الموبايل الخاص به، لا أدرى هل كان يفضل أن يسبق اسمه لفظ اللواء قبل الشاعر، لست موقنًا، فلقد ترقى إلى أعلى درجة فى جهاز الشرطة، الذى ظل يخدم به حتى سنوات قلائل، ولكنى أراه شاعرًا استثنائيًّا قبل أن يكون ضابطًا كبيرًا.
مشوار مجدى يتجاوز 30 عاما، وردد أغانيه كل مطربى هذا الزمن، أتذكر أنى سألت الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى عن شعراء الأغنية من هذا الجيل، وجدته يذكر اسم مجدى النجار، وكان قد اشتهر له وقتها «هلا هلا»، و«ميال» لعمرو دياب، وعلمت لاحقًا من النجار عندما أخبرته بذلك أنه التقى مأمون الشناوى مرة واحدة.
لاحظت أن مجدى فى السنوات الأخيرة من خلال أحاديثه الإذاعية على ندرتها يغلفها إحساس صوفى، بل كثير من أغانيه العاطفية بدأ يجد لها معانى دينية، شىء من هذا حدث مع الشاعر الغنائى الكبير أحمد شفيق كامل قبل رحيله، حيث كان يعتبر أغنية «إنت عمرى» رائعة أم كلثوم العاطفية، مناجاة صوفية لرب العباد، لى ملاحظات على هذه الرؤية أرى فيها قدرًا من التعسف ولكن ليس هذا مجالها الآن.
لم يكن النجار يشغل باله أبدًا بخلق حالة شغف إعلامى، هناك متخصصون فى ذلك، ولهذا أعذر القارئ عندما لا يدرك بالضبط قيمته كشاعر غنائى، ولهذا أترك ما تبقى من مساحة نستعيد كلماته «ما ابقاش أنا»:
بحبك قد الأرض وقد السما وقد الكون
إنما عايز تبعد ابعد بس حترجع
عارف لو مارجعتش لىّ بقلبك تانى هنا
لو ماحلفتش إن الثانية فى بُعدى سنة
لو مآمنتش إن الجنة فى حضنى أنا
ما ابقاش أنا
لو ماعرفتش إن حنانك سره حنانى
وان الحب فى قلبك كان مخلوق علشانى
وانك مهما بعدت ح ترجع تتمنانى
ما ابقاش أنا
لو ماندمتش ع الأيام اللى بعدتها
لو مادفعتش تمن الغربة اللى أنا عشتها
لو ماشربتش كاس المر اللى شربتها
ما ابقاش أنا
أنا عن نفسى راح اسكت لكن مطمنة
قلب المؤمن هو دليله وانا مؤمنة
لو مارجعتش تبكى عشان ترجعلى أنا
ما ابقاش أنا
كانت هذه الأغنية قد وقع اختيار بليغ حمدى عليها، وعندما رحل وصلت إلى الملحن محمد ضياء، الذى قدم بدوره لحنًا شجيًّا أبدعت أصالة فى أدائه بكل ألق وصدق.
مجدى النجار كان بيننا قبل أيام قلائل، وبعد غيابه لا تزال كلماته نابضة بالحياة!!