السيدان حمدين صباحي، وعبد الفتاح السيسي
تحية طيبة وبعد
أكتب لكما هذه الرسالة بصفتي الشخصية كناخب مصري متذبذب، لم يقرر حتى الآن من سيحصل على صوته، بل ولم يقرر ما إذا كان سيشارك في هذه الانتخابات أم لا. وهدفي من الرسالة أن أوضح لحضراتكما ما يمكن أن تقدماه لتساعداني وغيري من المتذبذين، على القيام باختيار يمليه علي ضميري في الانتخابات القادمة.
اغتربت عن الوطن لسنوات طويلة. وعدت بعد الثورة بأكثر من عامين ونصف العام، لأكتشف أن رجوعي تزامن مع هجرة معاكسة لقطاع من المصريين سبقوني إلى العودة بعد الثورة مباشرة، وانتهى بأغلبهم الحال إلى أحباط دفعهم للمغادرة مرة أخرى. وقد انضم إلى موجة الهجرة هذه قطاع من الشباب الواعد، اغتربت مصر عنهم في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن أحسوا بأن ثورتهم سرقت منهم، فقبلوا عروضا للخروج والعمل، بعيدا عن وطن، هو في أمس الحاجة إليهم.
شخصيا لم أندم على العودة، ولازلت محتفظا بمعظم رصيدي من التفاؤل، لأن الثورة سبقت أحداث يناير 2011 في شكل تغيير جذري في أنماط التفكير، قاده جيل انفتح على العصر، وأدرك أننا نستحق، وبالتأكيد نستطيع، أن نصنع عالما أفضل.
في كل يوم أرى ملامح التغيير في كتابات وتعليقات، ومقالات، وأغان، وأعمال إبداعية، تعطيني الأمل وتشعرني بالتفاؤل.
أقول هذا لأنني أرى أن من أهم أولويات الرئيس الجديد أن يوقف نزيف الحياة من مصر، ويهيء مناخا يرسم للشباب طريق المستقبل، ويثبت لهم ولكافة المصريين أن مشاركتهم في البناء ستحقق أحلامهم في الحرية، والعدالة، والحياة الكريمة، لجيلهم ولأجيال عديدة مقبلة.
المرشحان الرئاسيان
واحد منكما سيدخل التاريخ قائدا لشعب عريق ساهم في تعريف العالم بنور المدنية، بعد أن نقل اليونانيون عن مصر علومها وآدابها وتراثها، لتشرق بفضلها شمس الحضارة شرقا وغربا.
إلا أننا، كناخبين متذبذبين، لم نتمكن حتى الآن، من أن نرسم صورة واضحة للطريق الذي يرسمه كل منكما.
كانت لكما إطلالات إعلامية متميزة صفق لها المؤيدون، وما كان لهم إلا أن يصفقوا، سواء استمعوا إلى ما تطرحانه من خطط أم لا. فهم محبون ومريدون، لن تضيف حملتيكما المزيد إلى قناعاتهم.
لو افترضنا أن الكفة راجحة من البداية لصالح أحدكما، ما كان لنا أن نجري هذه الانتخابات أصلا، ولا أن نشارك فيها. ولذا أرى أنه ليس لدينا خيار آخر غير المضي في طريق الديمقراطية التي اختارها الشعب، وغير إتاحة الفرصة كاملة لمساعدة الناخبين المتذبذبين على إحسان الاختيار، بإتاحة أكبر قدر من الشفافية والتعاون من جانبكما.
واقع الحال يقول إن قرارا ما، لابد أن يتخذه كل منا بدعم أي منكما أو بالإعراض عن العملية الانتخابية تماما. والإنصاف يقول أيضا إن مساعدتكما قبل الوصول إلى الاتحادية واجب، وبعد وصول أحدكما إلى كرسي الرئاسة فرض، من أجل أن يتمكن من إتمام مهمته بنجاح لقيادة هذا الشعب عبر نفق نتمنى ألا تطول ظلمته. وهو ما سيجنب الأجيال القادمة سنوات من العوز، وربما بحورا من الدم.
ربما لهذا فقط يمكننا التغاضي، ولو مؤقتا، عما حدث في الماضي لنستشرف المستقبل ونتعاون على ما فيه صالح هذا الشعب.
السيد عبد الفتاح السيسي
تجنت عليك بعض الصحف ومواقع الإنترنت عندما نشرت مقارنات عديدة بين أفكارك وأفكار السيد صباحي من خلال اجتزاء تصريحات أدليتما بها في لقاءات مختلفة. ومن واقع خبرتي العملية، لا تتمتع هذه المقارنات بالقدر الكافي من العلمية والموضوعية. ظلموك عندما نشروها في سياقات انتقائية وخرجوا منها باستنتاجات قد تكون مجحفة.
مقارنة الأطروحات الانتخابية، ومن منطلق علمي إعلامي بحت، لابد أن تجري تحت نفس الظروف، وأن يكون ما يمثلك من أقوال، من اختيارك أو اختيار من كلفتهم بذلك. وإذا اعتمدت هذه الاختيارات على حوارات متلفزة فلابد أن يجريها نفس المذيع، وتستخدم فيها نفس المحاور وتطرح أثناءها نفس الأسئلة.
الإنصاف والعرف يفترضان بالطبع أن تجرى المناظرة، وجها لوجه، وهو ما آمل أن تفاجئنى حملة السيسي بقبوله. وإن تعذر ذلك، فهناك خيارات أخرى قد تناسب متطلبات حملتك وتحقق القدر المطلوب من الموضوعية والشفافية أمام ناخبيك، وأمام شعب مصر.
ومع علمي بأن كثيرين قد يرغبون في أن يسمعوا منك اعتذارا آخر حول مأساة "كشف العذرية"، أو تفسيرا لبعض ما جرى من محاكمات عسكرية لنشطاء، إلا أنني أتفهم لأسباب، لها علاقة بالمصلحة العامة أن تكون المناظرة استشرافا للمستقبل لا محاكمة للماضي.
السيد حمدين صباحي
تحدث أنصارك عن تاريخك النضالي، وردوا على ما وصفه خصومك بأنه تضارب في المواقف. قالوا إن عالم السياسة له ما يبرره وإن الحياة ليس فيها خير مطلق وشر مطلق. انتقدك معارضوك لما أبديته من دعم ومؤازرة لأنظمة نراها اليوم مارقة وديكتاتورية ومرادفة للطغيان والشر المطلق.
لننح هذا جانبا ولنفترض أن وقفات الماضي كان لها ما يبررها، وأن من يراه البعض طاغية اليوم، رآه آخرون، وربما هم أنفسهم، بالأمس حارسا للبوابة الشرقية وحاميا لقلعة من قلاع العروبة.
انت في نهاية الأمر مصري واللجنة العليا للانتخابات قبلتك كمرشح رئاسي ولا مبرر للتشكيك في جدارتك بالترشح لحكم مصر، رغم ما يفترضه بعض المعارضين من أن ترشحك جزء من مسرحية لإضفاء مسحة ديمقراطية على العملية كلها.
في النهاية، لا خيار لنا إلا باستكمال شروط العملية الديمقراطية التي وضعنا أولى خطواتنا على أعتاب طريقها.
السيدان حمدين والسيسي
كمذيع ورئيس سابق لمؤسسة إعلامية غير ربحية هدفها الخدمة العامة، كان جزء من عملي ينصب على وضع الشروط والمعايير التي تضمن الحياد والاتزان والموضوعية، سواء فيما أقدمه من برامج ولقاءات، أو ما يخرج من الفريق الذي كان يعمل معي على شاشة التليفزيون، والكمبيوتر وأثير الإذاعة. ولا شك لدي في أنكما تتفقان معي على أن التعامل بعلمية وموضوعية مع مرشحين في عملية انتخابية، لا يمكن أن يتم إلا إذا توفر عدد من الشروط، تقضي بأن يحصلوا على فرص متساوية (وليس فقط متكافئة)، في برنامج لعرض أفكارهم، ومقارنة طروحاتهم تحت ظروف متطابقة بقدر الإمكان. ومن متابعة الحوار الدائر في الأسابيع الماضية يبدو واضحا أن حملة السيد السيسي قد لا ترحب بعمل مثل هذا الحوار أو المناظرة وجها لوجه.
يدفعني هذا لتقديم شكل آخر للمناظرة، يدخل فيه التفاعل مع الجمهور كعنصر أساسي، ويضمن لحملتي المرشحين، وللناخبين في الوقت ذاته أعلى قدر من الشفافية وافضل فرصة للعرض الموضوعي كالتالي:
- تقام المناظرة على يومين متتاليين في نفس الميعاد، ونفس الاستديو، وتحت نفس الظروف.
- يشارك المشاهدون في اقتراح المحاور، والأسئلة على حسابات فيسبوك وتويتر خاصة بالمناظرة.
facebook.com/monazra2014
twitter: @monazra2014
- يتم تحديد المحاور لكلا المرشحين قبل المناظرة، بعد اختيارها بواسطة هيئة التحرير من مجمل اقتراحات المشاركين. على سبيل المثال: السياسة الخارجية، العلاقة مع أمريكا، البطالة.. إلخ
- يشارح المرشح في البرنامج ومعه ثلاثة (أو عدد متفق عليه) من مستشاريه.
- يعرض المرشح، أو أحد مستشاريه، تفاصيل الخطة أو البرنامج أو الرؤية الخاصة بهذا المحور في مدة زمنية ثابتة تقاس بساعة رقمية.
- يمتنع المذيع تماما عن التدخل أو المقاطعة أثناء العرض.
- يجري حوار بين المذيع والمرشح الرئاسي، لمدة متفق عليها وثابتة لكلا المرشحين، لاستيضاح معالم الخطة.
- يدار الحوار الاستيضاحي بشكل احترافي، ويمكن للمذيع إعادة ضيفه إلى مسار السؤال، أو طلب المزيد من الإيضاح في الوقت المحدد.
- يستخدم المذيع أسئلة الجمهور التي نشرت على موقع المناظرة، أو وصلت عن طريق تويتر وفيسبوك، في سياق الحوار، لاستيضاح كل ما يتعلق بسياسات المرشح، ولإعطاء الناس فرصة للتفاعل مع المرشحين الرئاسيين.
- يمكن للضيف الامتناع عن الإجابة، أو طلب استفسار من مساعديه دون الخروج عن الوقت المحدد لمجمل النقاش.
- يذاع الحوار على الهواء مباشرة.
- يمكن لاحقا إنتاج حلقة مجمعة يعاد ترتيب فقراتها حسب سياق المحاور محل النقاش ليمكن للجمهور متابعة سياسات المرشحين في سياق عرضها.
هذا التصميم المبدأي يتفادى ما قيل من عيوب المناظرات التقليدية، خاصة مع ما تردد من أن دراية أحد المرشحين بآليات الخطاب الجماهيري قد يعطيه فرصة أفضل، وبشكل غير موضوعي لاستمالة الناخبين. بهذا الشكل يضمن كل مرشح وفريقه أن الرسالة معبرة بأقصى قدر عن الرؤية المطروحة، ويبني الناخب قناعاته على معايير موضوعية.
بالتأكيد سيضيف الناخب إلى ذلك تقييمه لتاريخ المرشح، وإسهامه الوطني، وإحساسه بمدى صدقه وقدرته على تحقيق وعوده. وفي كل حال سيكون الناخبون أكثر ثقة في اختياراتهم وأكثر قدرة على فهم المطروح من السياسات وعلى ممارسة الاختيار الواعي، وهو ما أكد كلاكما علي أهميته في أحاديث كثيرة.
وختاما، أسعدني استعداد السيد عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون على أن يحتضن تليفزيون مصر هذه المبادرة الوطنية، والمناظرة الرئاسية التفاعلية المتطورة حال قبولكما. وكلي ثقة في أن تليفزيون مصر لن يضن بها على المحطات الخاصة، التي ربما تتبرع بدخل الإعلانات المصاحبة للمناظرة لدعم ما تختاره من مشروعات وطنية.
#monazra2014
*مذيع ومستشار إعلامي
والرئيس السابق لبي بي سي العربية
Twitter: @sokkari