فى النظم الديمقراطية عادة ما يحصل أى مرشح على شعبيته من خلال نشاطه السياسى والحزبى، وعادة ما يخوض غمار العمل السياسى منذ نعومة أظافره ويكتسب مهاراته المهنية والسياسية من خلال عمل حزبى أو أهلى أو وظيفى أو إدارى، وفى الحالة المصرية فقد تكرر معنا منذ أكثر من 60 عاما نموذج الزعيم الذى يأتى من خارج المشهد السياسى وينال شعبية كبيرة عقب أول إطلالة له على الجماهير.
حدث ذلك مع عبدالناصر عقب ثورة يوليو 52 حين أطل على الناس وهو قادم من خارج النخبة الحزبية والسياسية ونال شعبية تلقائية أكبر من قادة الأحزاب التى ظلت تعمل على الأرض منذ ثورة 1919 وحتى ثورة يوليو 1952، وتكرر نفس الأمر مع عبدالفتاح السيسى حين أطل على المصريين بعد ثورتين شعبيتين وبعد خروج مليونى كبير وظهور قيادات شابة ونشطاء اشتبك كثير منهم مع النخبة السياسية القديمة، ورغم ذلك لم تنل لا النخبة الجديدة ولا القديمة شعبية حقيقية فى الشارع المصرى، وحين أطل السيسى على المشهد السياسى فى 3 يوليو حظى بشعبية كبيرة تجاوزت شعبية كثيرين ممن قالوا إنهم صوت الجماهير وصوت الثورة والميادين.
والحقيقة أن هذه الشعبية التى تحققت سابقا بصورة ضخمة واستثنائية لجمال عبدالناصر لم تكن فقط راجعة لأنه أصدر بشكل فورى قانون الإصلاح الزراعى، إنما لأن الناس كانت فى ذلك الوقت تبحث عن بطل قومى وعن مخلص، بعد أن فقدت الثقة فى الأحزاب والنخبة السياسية، صحيح أنه بعد سنوات من حكم عبدالناصر ثم مجىء السادات إلى السلطة عاد الحنين إلى الوفد والفترة شبه الليبرالية، لأنه لا توجد تجربة إنسانية «خالية من الشوائب»، وأن ابتكار النظم الديمقراطية مسألة تداول السلطة يعنى أن المزاج العام لأى مجتمع متغير وغير ثابت.
فقد غضب الناس من الأحزاب قبل ثورة يوليو، وكان غضبهم هذا سببا فى دعم عبدالناصر الذى حمل صورة المخلص، ثم عادوا وتذكروها بالخير، خاصة حزب الوفد، بعد 30 عاما وربما أقل من حكم الضباط الأحرار.
والسؤال المطروح الآن بعد 3 سنوات من ثورة 25 يناير والتى سئم فيها الناس حالة الفوضى والاستباحة والعشوائية التى عرفتها البلاد، وجعلت غالبيتهم يختارون بشكل تلقائى مرشح الدولة والانضباط والخلفية العسكرية لأنهم اعتبروه قادرا أكثر من غيره على مواجهة هذه المشكلات.
وقد يكون ذلك صحيحا أو على الأقل راجحا، إلا أن هذا النجاح لن يكون مطلقا، ولن ينهى وجود معارضيه من القوى المدنية والإسلامية، وسيظل هناك حنين لنموذج آخر يأتى فيه الرئيس من الأحزاب والحركات السياسية، حتى لو كان من خلفية عسكرية، وأن شعبية أى رئيس وأى نظام ليست دائمة، إنما ستشهد صعودا وهبوطا مثل كل دول العالم.
الحفاظ على الشعبية يعنى بناء دولة قانون وإنجازا اقتصاديا وسياسيا يحقق قدرا من التقدم، واعتبار أن النجاح الحقيقى ليس فقط فى البقاء فى السلطة، إنما فى خلق معارضة مؤمنة بالدولة الوطنية وبالدستور المدنى وترفض العنف، وقادرة على تولى مسؤولية الحكم عبر تداول سلمى للسلطة وليس من خلال مظاهرات الشارع.