أكتب هذه السطور بينما لا يفوق حزنى وإحباطى إلا رغبة عارمة جامحة أن أعتذر للإنسانية جمعاء ومن قبل ومن بعد لرسول الله الكريم النبى محمد ولكل القيم الروحية السامية والمبادئ الإنسانية النبيلة والأخلاق الراقية العظيمة التى جاهد لكى يبدد بها الظلم والظلام والجهالة والجلافة.. أود مخلصًا أن يتقبل نبى الرحمة اعتذار العبد الفقير إلى الله، ليس عن أي محاولة بائسة ومستحيلة قد يقوم بها جاهل تافه أو موتور من خارج أمته لكى يلوث سيرته العطرة النقية، وإنما اعتذارى عن فيض إساءات وحماقات وفظائع أعظم فحشًا وأشد هولًا وأقوى ضررًا يقترفها يوميًّا سفهاء جهلاء مشوهون رُوحيًّا وأخلاقيًّا يتنطعون على رسالته السماوية السمحة وينسبون ارتكاباتهم المشينة وجرائمهم المروعة إلى الدين الحنيف الذى أتى به النبى هُدىً للناس.
أريد أن أعتذر كذلك لمعانى الرحمة والجمال والتسامى والتحضر والشرف الإنسانى الرفيع الذى يلوثه حاليًّا همجيون متوحشون قساة وأجلاف طارت عقولهم وفاض الوسخ والعفن من رؤوسهم..
هل تظن أن هذه السطور لها علاقة بما تقترفه عصابة إخوان الشياطين هذه الأيام من إرهاب أسود وإجرام استثنائى بحق الوطن شعبًا ومجتمعًا ودولة؟ لا.. ليست هذه هى المناسبة، وإنما حرضنى على الاعتذار أهوال وفظاعات إجرامية أخرى ترتكبها قطعان من جنس تلك العصابة نفسها وتنتمى إلى جنونها وتشوها العقلى والروحى عينه، لعل أحدثها وأبعدها غرقًا فى أوحال العار تلك الحادثة الرهيبة التى وقعت منتصف الشهر الماضى وكان مسرحها دولة نيجيريا، إذ قام قطيع مسلح من أعضاء جماعة إرهابية مجنونة تسمى نفسها «بوكو حرام» (معناها باللغة المحلية «التعليم حرام»!!) بالهجوم على مدرسة فى شمال البلاد ونفذوا عملية اختطاف أكثر من 250 فتاة صغيرة، ثم استكمل المجرمون يوم الإثنين الماضى جريمتهم المشينة واختطفوا 8 بنات أخريات!!
طبعًا كان يكفى هذه العصابة من العار والشنار والهمجية التشطر على فتيات صغار فى عمر الزهور وانتزاعهن بالقوة من أحضان أهاليهن، غير أن رئيسها المدعو أبو بكر شيكو سرّب يوم تنفيذ المرحلة الثانية من جريمته المروعة بشريط فيديو ظهر فيه وهو يعلن بفخر مسؤولية عصابته عن خطف كل هذا العدد من البنات اللاتى لم يغادرن بعدُ عمر الطفولة، لكنه أفاض فى الخسة والسفالة مؤكدًا أنه سيأمر بـ«بيع بعضهن فى سوق النخاسة باعتبارهن سبايا، طبقا لشرع الله»!!.. أما الفتيات الباقيات فقد أكد أنه «سيزوجهن فورًا» قسرًا وغصبًا، لأنطاع من العصابة!!!!
وبعد.. فإن هذا الـ«شيكو» البائس الذى يتزعم قطيعًا من المتوحشين الموغلين فى الجهالة والانحراف الخلقى والعقلى لدرجة تأسيس جماعة إجرامية جعلوا اسمها تحريضًا سافرًا واطيًا ضد العلم، وبالغوا فى الفحش والفجور حتى تجاسروا على الإسلام نفسه ونسبوا إليه بالكذب والزور والبهتان أنه «يحرم التعليم»، مع أن أول كلمة فى كتابه المنزه هى «اقرأ»، كما أن نصوصًا كثيرة فيه وفى أحاديث نبيه الكريم تحرض بإلحاح على طلب العلم من أى مكان فى الدنيا!!
غير أن المجرم «شيكو» قدم نموذجًا مذهلًا فى النفاق، فهو لم يكتفِ بكل الحقارات والفظاعات التى حشرها فى كلامه المسجل على شريط الفيديو، وإنما زاد عليها ما يفضح تناقضاته وانحرفاته المجنونة عندما تعمد الحديث بثلاث لغات («الهوسا» المحلية، وكذلك اللغتان العربية والإنجليزية).. إذن هو نفسه تمتع بالتعليم الذى يُحرِّمه وأتباعه المرضى على خلق الله، ويستخدمه فى الشر وارتكاب أفعال تأنف وتخجل منها حتى الشياطين الزرق شخصيا!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله.