المال يتكلم....
يتكلم وحده فى ظل احتضار صيغة الأنظمة التى حكمت العالم العربى بعد الاستعمار فكان نتيجته (رئيس مقعد فى الجزائر/ ورئيس منقذ منتظر فى مصر/ وأمراء حرب يترشحون على الرئاسة فى لبنان)...
علامات احتضار يعتمد على المال وحده..
المال الذى يبحث عن القوة... وهنا مبرر دعم السيسى بالنسبة للخليج، وهنا أيضًا سر اعتبار السيسى للسعودية/ زعيمة العرب/ لأول مرة فى تاريخ محاولة بناء دولة حديثة فى مصر.
السيسى اختيار لحظة يعاد فيها بناء التحالفات الإقليمية والدولية/ التى لم تعد تبنى وفق معادلة (مع أو ضد) أمريكا. لكنها مع تعدد الإرادات أصبح من الممكن أن تتفكك التحالفات الكبيرة إلى تحالفات شبكية معقدة. لا تبنى على أساس أيديولوجي (راسمالية/ شيوعية) أو نظامى (تقدم/ رجعية) ولا حتى على أساس الصراعات الطائفية أو المذهبية... التحالفات تقام الآن على أساس «نقاط المصالح» التى يمكن فيها للسعودية مثلًا أن ترعى فى دمشق ما تحاربه فى مصر وتونس... وهكذا.
...هذا زمن يتحكم فيه الخليج (بمعسكريه) فى الصراعات الداخلية...
والمال يتكلم بعد مراحل كان كلامه تحت غطاء من الأفكار والسياسة... والمنطقة تقودها أنظمتها التى توصف بالرجعية.
وكل داخل فى بلدان ثارت على حكامها مفتوح اليوم على الخليج.
معسكر السعودية والإمارات يدعم السيسى ليكون «القوة الحارسة» لأنظمة تواجه خطرًا إقليميًّا (إيران وغيرها) واحتضارًا داخليًّا (شيخوخة عائلات الحكم وصعود الغضب الداخلى وصعوبة الحفاظ على احتكار الثروة)...
تحالف مصر والخليج من أجل أن تظل مصر فى موقعها/ تطلب المساعدات ولا يمكنها تقديم نموذج جديد يقود المنطقة إلى التغيير..
التحالف الفرملة الأخيرة فى مشروع التغيير ولكى يفرض المال شروطه ببقاء مصر عند وضع «الكبير الذى لا يفعل شيئًا» كما كانت أيام مبارك الذى عاش طويلًا على بيع هذا الوضع أو استثمار «الركود المصرى».
السيسى هو حجر الأساس فى التغييرات التى تطبخ فى مسافة ما بين الرياض وواشنطن/ ويتوازى مع هندسة جديدة للسلطة فى العراق/ وإنهاك للصيغة اللبنانية حتى تصل إلى رئيس يكمل «الطبخة».
السيسى قال إن معونات الخليج وصلت فى العشر شهور الأخيرة إلى 20 مليار دولار.. وهو رقم ضخم يساوى بالجنيه المصرى 140 مليارًا، أى ما يمثل أكثر من ثلث ميزانية الدولة (تدور حول الـ500 مليار)..
أين ذهبت هذه المعونات؟ ولصالح أى اتجاه؟ ولماذا استمرت المعاناة بشكل متزايد رغم التدفق المذهل؟... (فقد كان المرسى ووجماعته ينتظرون الإنقاذ من قرض الـ4.9 مليار من البنك الدولى)...
التفسير الأساسى يكمن فى فكرة «المعونة» التى تكون عادة لدعم أنظمة فاشلة فى السيطرة على مواطنيها/ أو لترويض المجتمع ليقبل بصيغة الحكم..
والاقتصاد القائم على «المعونات..» يمثل عنصر التحكم عن بُعد... لأن التنمية ليس معناها توزيع عربات خضار على العاطلين (فعلها مبارك وفشلت) أو دعوات ساذجة مثل «عاوزكم تشتغلوا...ولن أترك أحدًا ينام..»، هذه تنمية ورش صغيرة أو تجارة عائلية فى البازارت ومحلات البقالة.... لكن تنمية دولة تبدأ بالسياسات (ماذا ستفعل وكيف ستطور البشر... والمجتمع... وكيف ستبنى دولة مواطنين لا دولة عندما يطالب المواطنون بحقوقهم يكون تصورك بأنه يريد أن يأكل مصر..».
غالبًا ليس لدى السيسى إلا تصورات عن «تنمية رثة» يستخدم فيها أموال الخليج (التى سيدفع فاتورتها باهظة بالتحكم فى سياسات داخلية وخارجية وتوقف فعالية ونشاط النظام القادم لصالح خدمة مخطط مقاومة الاحتضار الخليجى)... وتقوم على أنشطة بدائية (تجارة أو بيع عقارات) تلك التى لا تبنى اقتصادًا لكنها تحقق وفرة مالية مؤقتة.