هل كنتُ مهتمًّا بردود أفعال الناس وأنا أُجرى الحوار مع المرشح الرئاسى المشير السيسى؟
منذ وضعتُ الأوراق أمامى وبدأتُ أسئلتى لم أكن مهتمًّا على الإطلاق إلا بكائن واحد هو ضميرى.
ومع احترامى لكم، فضميرى أهم وأغلى عندى منكم جميعًا، منذ كنت صبيًّا أرأس تحرير مجلة المدرسة أدركتُ أن الذى يضع نفسه أسيرًا لردود الأفعال لن يفعل شيئًا.
ليس هناك أى معنى للصحفى وللكاتب دون قُرَّاء، ولا قيمة للإعلامى دون جمهور، لكنّ فرقًا هائلًا بين أن تكون متفاعلًا وأن تكون متميِّعًا. إن أسوأ ما فى الكلام للحصول على إعجاب أو رضا الناس هو أنك تتحول إلى إمَّعة أنيق.
لا أصدق هؤلاء الذين يسارعون للبحث فى النت وعلى صفحات «الفيس» و«تويتر» وهم يتكلمون أو يكتبون أو يقدمون برامجهم أو يُدْلون بتصريحات لكى يمدحهم البعض أو يهلل لهم، فهذا اضطراب نفسى، إذ المفروض أن تقول ما تؤمن به وما تراه حقًّا وحقيقة، وما ألزمك عقلُك وضميرُك بقوله، سواء صفّق الناس، أو صفّروا وزاموا وشتموك.
هناك من يخشى أن يكتب رأيه الحقيقى أحسن يتمرمط به أرض النت أو يشتمه الجمهور. والصحفى ليس عامل دليفرى يوصل طلبات الزبائن إلى البيت، بل هو صاحب موقف ورسالة يعرضها على الناس واللى عاجبه أهلًا وسهلًا، واللى مش عاجبه أهلًا وسهلًا برضه!
البعض حين يقرأ كلامًا مخالفًا لرأيه فى صفحته على «الفيس» يقوم بعمل بلوك لصاحب التعليق، والبعض يكتب ما يضمن له «فلورز» على «تويتر» أو يكتب شيئًا وينتظر ملهوفًا «الريتويت»، والبعض قبل أن يبدى رأيه فى أى حاجة يبحث عن رأى الآخرين! هذا يعنى ببساطة أنك غير مؤهل لبناء وجهة نظر مستقلة، فأنت محاصَر ومحصور بالعقل الجمعى الذى اخترته واخترعته لنفسك، أنت هنا لست حرًّا إطلاقًا، بل تتنازل عن حريتك وعقلك لصالح جماعتك التى ترضَى أو تقبل بك، أو تنحصر داخل ذاتك المهووسة برأيها «سواء كان محترمًا أو عبيطًا» ولست مجهزًا ولا مستعدًّا لتسمع أو تقرأ أو تتصور حتى أن هناك رأيًا غير هذا الرأى الصادر من عقل جناب حضرتك أو من أصحابك على النت أو مجموعتك فى «الفيس» وهذا كله يستدعى أن تعرض نفسك على دكتور بسرعة!
المشكلة هنا تصبح أخطر وأنْيَل حين يصيب هذا العيا المفكرين والكتاب والصحفيين، فعندما يصبح قادة الرأى عبيدًا لـ«اللايكات والفلورز والفيس» أو يتجنبون التعبير عن مواقفهم وأفكارهم، خشية البهدلة، تبقى تقول على البلد يا رحمن يا رحيم!