هل تريدونه ديكتاتورا أم رئيسا؟
سألت السؤال مرة وأعيده الآن.. بعد أن زادت جرعة الكلام في حملة السيسي عن الرئاسة باعتبارها «القدر الإلهي» وهذا تعبير عن إيمان دفين أو مداعبة لتصورات التربية الاستبدادية بأن الرئيس مبعوث للعناية الإلهية/ لا مجرد موظف عند الشعب يرحل حين يفشل.. إنها عودة إلى أن الحاكم: نصف إله، والخروج عليه أو الاختلاف نوع من الكفر الواضح والصريح، بقوانين الاختيار الإلهي.
هكذا كانوا يعتبرون المرسى هو المرشح الإلهى/ ورأوا فيه رسولا/ وزاره الأنبياء كلهم فى المنامات المصنوعة خصيصا من فرقة الفقهاء التى تكرر كلماتها مع كل حاكم سواء كان ملكا أو رئيسا.. جنرالا أو إخوانيا.. مبارك أو المرسى.. كلهم محاطون بنفس الفرق تقول نفس الخزعبلات.. وتضع على رأس الحاكم تلك الهالة التى تجعله يدوس الجميع باعتباره «كلمة الله على الأرض».
أعيد السؤال، بينما تتسرب فى الدعاية للسيسى تلك الصورة المستهلكة عن الرئيس المؤمن الذى يصلى الفروض كلها/ وتظهر زبيبة الصلاة واضحة فى صوره الأولى/ ويتحدث عن مناماته التى تشير إلى أنه يسير بخطة من القوى العليا.
كل هذا مقبول وعادى على هامش الدعاية الانتخابية/ لكن أن يكون هذا قلب ومركز الدعاية.. ولا شىء آخر/ لا نظرة للعقد الاجتماعى/ أو إصلاح جهاز الدولة.
لن يفيدنا تدين السيسي كما لم يفدنا أداء المرسى كل الصلوات/ لأن العدل بمفهومه الحديث والديمقراطية بمفاهيمها وليس بصناديقها لا تتحقق كلما اتسعت زبيبة الرئيس لتملأ وجهه.
كما أنه إذا كنت «المؤمن الأول» أو الذى اصطفاك الله بكرسي العرش «.. بعيدا أن الرئاسة ليست عرشا ولا ملكا».. فسيخرج مؤمن آخر يتصور أنه أكثر إيمانا منك/ ولديه حق أكثر منك فى الكرسي/ وهذه خزعبلات التغطية على حروب الفتنة بعد العشر سنوات الأولى من حكم الراشدين.
خزعبلات لأنها مجرد غطاء، لأن الحقيقة فى الصراعات حول السلطة أنها صراعات مصالح وقوى اجتماعية واقتصادية تحارب من أجل احتكار السلطة أو تسييد مصالحها.
الرئيس ليس نصف إله ولا ساحرا ولا مندوب مبيعات لمجموعة تجارية على طريقة «نحمل الخير لمصر» ومثلا الرئيس ليس مطلوبا منه فى دعايته الانتخابية حل أزمة الكهرباء «لا باللمبات الموفرة أو غيرها»، ولكنه يضع سياسات حول الطاقة واستخدامها ومصالح الدولة لا عصابات المصالح/ ثم يختار وزيرا مناسبا.
الرئيس يضع السياسات ويدير السلطة التنفيذية.. وليس ساحرا يحمل عصا فى يده أو توكيلا من الله ليمارس وصايته على الناس أو يصنع شرعية لسلطته من تصوير نفسه أنه مندوب الفرقة الناجية لمنصب «أمير المؤمنين..».
هذا هو الفخ الذى لن يقع فيه المرشح/ الرئيس وحده ولكننا سنقع فيه جميعا.
هذه الخرافات كبلت حياتنا السياسية أكثر من ٤٠ عاما.. أو أكثر من اللحظة التى تصور فيها سيد قطب أنه سيكون نبيا جديدا يكتب خطة السير إلى مملكة الله على الأرض.. رحلة لا بد أن تمر ببحيرات الدماء.
وكما كان كل طرف فى حروب الفتنة يرفع اسم الله/ أو المصحف فإننا نرى الفقهاء والمشايخ يهرولون بين منصات تمجد فرقتهم أو سلطتهم/بخطاب مطلق يصلح للاستخدام المتعدد/ لكنه يهدف فى النهاية إلى تعجيز البشر/ أو إخضاعهم لقبول الفعل السياسى على أنه أمر إلهى/ أو قضاء وقدر.
وأصحاب مفهوم «الله معنا وحدنا».. تجار تجزئة.. يتعطلون عندما تسألهم: إذن لماذا سقط المرسى وكان مشروعا للرئيس المؤمن.. وزار جبريل مؤيديه فى رابعة؟
سيردون على طريقة الفهلوى الذى نجا من حريق فقال «النار لا تحرق مؤمنا..» وعندما أصيب فى الحريق التالى كان رده جاهزا أيضا: «.. المؤمن منصاب..».
هذه الفهلوة.. ما زالت حاكمة.