عندما أخرج المخرج العبقري ستيفين سبيلبيرج فيلمه الشيق «الحرب الكونية»، وجد الخلاص للكرة الأرضية من الغزو الفضائي في أصغر الكائنات التي تعيش بيننا، «الفيروسات»، حيث ضربت سفن الفضاء وأصابتها بأمراض مختلفة قضت عليها تماما وأنقذت الأرض من الدمار والجنس البشري من الإبادة.
وبعيدا عن الخيال العلمي، فإن الواقع العملي أيضا يؤكد أن تلك الكائنات الصغيرة قادرة على تغيير مجرى التاريخ؛ ففي أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، وفي عهد الطاغية ديونيسيوس الأول، حين حاصرت قوات قرطاجة مدينة سيراكوز بجزيرة صقلية الإيطالية، تفشى الوباء في القوات الغازية وانتهت الحرب قبل أن تبدأ!
أما سلسلة الحروب الصليبية، فحدث ولا حرج، فثلثا جيش حملة عام 1096 قضوا نحبهم بفعل الأسقربوط، وحدث نفس الشيء في حملة تالية بفاصل زمني مائة عام (رغم أنه ليس مرضا معديا أصلا). وبين الحملتين كان «التيفود» ينخر في عظام الجيش الروماني ويقتل الآلاف ويجبر القادة على حرق المعسكرات.
أما «نابليون» فكانت إصابته بالدوسنتاريا أحد أسباب خسارته لمعركة «ووترلو» أمام القائد الانجليزي «ويلنجتون»، وهو الحدث الذي غير مجرى التاريخ الأوروبي. والأمثلة المشابهة كثيرة.
وهناك أيضا الثلاثي غير المرح (الطاعون، والجدري والملاريا)؛ الأول قتل 100 مليون في القرن الرابع عشر، والثاني قتل 300 مليون في القرن العشرين، والثالث يقتل حوالي من مليون إلى ثلاثة ملايين سنويا. ونذكر أيضا الإنفلونزا الإسبانية التي ضربت العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وقتلت 50 مليون شخص وأصابت عشرة أضعاف هذا الرقم، ولم ينج من بطشها إلا كبار السن ممن اكتسبوا مناعة طبيعية بتعرضهم للإنفلونزا الروسية ونجاتهم منها عام 1889!
الوافد الجديد، آخر عنقود المصائب، فيروس «كورونا» الشرق الأوسط، عُرف إعلاميا لفترة باسم «سارس السعودي»، وقد تم اكتشافه منذ أقل من عامين بواسطة الطبيب المصري محمد علي زكريا، بمدينة جدة السعودية. والفيروس الآن ينتشر بالمدينة ويحاول التغلب عليها، ونعلم أن السلطات السعودية لا تدخر جهدا لمحاربته، لكن هذه الجهود يوازيها قدر لا بأس به من التعتيم، مستشفيات أغلقت، حالات لا يتم الإعلان عنها، وهكذا. والأمثلة كثيرة مثل؛ فندق «البدر» في جدة، وهو مكان نظيف ومحترم يضم مئات المتدربين والمتدربات في شركات طيران مختلفة (يوجد به حوالي 200 متدربة مصرية على الخطوط الجوية السعودية وحدها)، وقد تواترت أنباء عن وصول الفيروس لهناك منذ أيام، وأنه أصاب بالفعل متدربة باكستانية (حدث الأمر أثناء التدريب في أكاديمية الأمير سلطان بمنطقة الخالدية، وهي تبعد حوالي أربعين دقيقة عن حي الكندرة، حيث الفندق).
وحين أشرت للأمر في وسائل التواصل الاجتماعي قررت مضيفة مصرية من شركة «أونر إير» التركية (مقيمة بالفندق) أن ترد بطريقتها، فاستدعت عددا من أصدقائها الذكور المقربين- ويبدو أنهم «مقربون جدا»- (وجميعهم في ذات الفندق المذكور)، وقاموا بعمل اللازم بشتمي والإساءة لي دون التفكير في تقصي حقيقة الواقعة. والإساءة نفسها ليست مهمة طبعا، لأنها لا تدل على شيء إلا على مستوى هذه الشركة التركية وطريقتها في انتقاء موظفيها، ولكن الأزمة الحقيقية أن تكتب محذرا جماعة من الناس من خطر يتهددهم، فتأتي الممانعة غير المنطقية من هذه الجماعة نفسها!! لكنه بالتأكيد سحر المضيفات، ويقول الفرزدق: (ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا، مثل الشفيع الذي يأتيك عرياناً). والمقصود طبعا هو عري الأفكار وضحالتها (ربنا أعلم بنواياي أنا والفرزدق).. ويبدو أن سبب هذه التصرفات غير المنطقية مرتبط بواقعة نقل أعداد كبيرة من المصريين بهذه الشركة منذ أيام لإجراء تحليلات للمخدرات؛ حيث استشرى الأمر بينهم! (المصري هيفضل مصري).
مع وفاة أول حالة مشتبه بإصابتها بكورونا في مصر، الاثنين الماضي، أصبحنا جميعا نتخوف الآن مما قد يحدث في الحج والعُمرة. وقد رُوي عن رسول الله (ص) قوله عن الوباء: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه». ولذلك نُطالب بعدم التعتيم على حقيقة الوضع مع استمرار الجهود التي من شأنها الحد من انتشار المرض. وقى الله العالم شر الفيروسات. الكائن الأصغر حجما والأكثر فتكا، ووقانا شر أمثال مضيفة «أونر إير»، الأصغر عقلا والأكثر شتما.
Twitter: @RamyGalalAmer