الكاتب طارق الخواجى غير بتحليله اللغوى الموسيقى المنشور فى جريدة «الرياض» وجهة نظرى المستقرة منذ سنوات، بخصوص أكثر أغنيات بوب مارلى شهرة على الإطلاق «راجع عنوان المقال»، كان الواحد على مدار سنوات طويلة يترجم مقولة بوب مارلى باعتبارها تلخص فكرة أن عدم وجود نساء يعنى عدم وجود ألم أو بكاء، سواء يعنى هذا أن عدم وجود نساء فى حياة الرجل يعنى تخلصه من بكاء واكتئابات وشحتفة الجنس اللطيف، وراحته من هذا المحتوى، الذى يسحب الأوكسجين من الحياة، أو بمعنى آخر فإن رحيل امرأة عنك لا يستحق البكاء «بلاها سوسو.. بلاها عياط». وفى كل الأحوال كنت أرى بوب مارلى يمجد التوحد الذكورى، كان يؤرق نظرتى هذه أن بقية كلمات الأغنية لا تظهر هذا المعنى ولا تبرزه، أو بالأحرى «ماشتغلتش عليه أصلا»، إلى أنهى الكاتب طارق الخواجى هذه المعاناة الفكرية وأصلح سوء الفهم الذى بدأ فى حياتى منذ خمسة عشر عاما.
يقول الخواجى فى تحليله اللغوى الموسيقى:
(تعانى هذه الأغنية إن صح التعبير، من سوء الفهم الذى جره عليها العنوان الذى اختاره لها مارلى، وجعله حجر الزاوية الذى تقوم عليه مقاطع الأغنية، التى ارتبطت باسمه حتى وقتنا الحاضر. فعنوان الأغنية يترجم بما يوحى بالعزاء والسلوان على فراق عاطفى وحياة جديدة، حيث لا بكاء، لأنه لم تعد فى حياة ذلك الرجل امرأة، بينما المعنى الحقيقى للعنوان «لا يا امرأة، لا تبكى»، حيث تقرأ كلمة النهى الثانية فى العنوان، بمقابلها فى لهجة الجامايكيين «ناه» التى تعنى بالإنجليزية «لا تفعل»، ولعل سوء فهم هذه الترجمة يعود فى أسوأ الظنون، إلى اللهجة الثقيلة والتحويرية للألفاظ التى يتحدث بها الجامايكيون على وجه الخصوص للغة الإنجليزية).
يقول الكاتب إن أفضل تفسير لهذه الأغنية التى اجتاحت العالم ذكرته ريتا مارلى أرملة المغنى الراحل فى كتابها الذى يحمل نفس عنوان الأغنية، والتفسير أن الأغنية عن شاب ينوى الرحيل عن بلاده، وهو إذ يرحل فإنه يعزى أخته أو قريبته أو لعلها حبيبته، لا نعلم، فهو يغيره فى كل مقطع، ويؤكد لها أن الأمور ستكون أفضل، الأمور تتغير لمستقبل مشرق، وهو يرى ذلك، حيث يجلس أناس يعرفهم فى الساحة الحكومية، منشرحين ومبتسمين للحياة، وحيث يلعب الأطفال على النار التى يتركها «جورجى» مشتعلة حتى شروق الشمس عند الفجر. إنه يؤكد لها أن رحيله على قدميه، وانطلاقه فى مسيرة أخرى -لعلها رحلته الموسيقية- لا يستدعى أن تذرف دمعة واحدة، فكل شىء سيكون على ما يرام.
أنا شخصيا كنت أرتاح للمعنى الذى استقر فى وجدانى على شكل خاطئ، ودون مقدمات أثار بوب مارلى امتعاضى بالمعنى الذى كان يقصده، لكننى سأسامحه على الأقل لموقفه الإنسانى المرتبط بهذه الأغنية.
يحكى الكاتب أن بوب مارلى نسب كتابة الأغنية وتلحينها، إلى «فنسنت فورد» مالك أحد مطاعم الحساء فى مدينته، الذى قدم وجبة مجانية لمارلى فى أحد الأيام، عندما لم يكن عنده مال.
مارلى لم ينسَ معروف فورد، وأحال حقوق الأغنية الناجحة للغاية والمدرة للمال حتى اليوم، لصاحب المطعم الذى كان يعانى صعوبات مالية.
عاش يا عم بوب.