قال أوليفر فلاديمير بيكاسو، حفيد الفنان العالمى بابلو بيكاسو، ردًّا على مَن سألوه لماذا لم يصبح فنانًا تشكيليًّا مثل جدّه؟ فأجابهم: ورثت أنفه لا يديه!
كانوا يجاملون أوليفر وهو طالب بالمدرسة فى حصة الرسم ويمنحونه الدرجات النهائية على اعتبار أن كل ما يخطّه على الورق هو بالتأكيد الإبداع.. ولم تستمر مسيرة الطفل طويلًا مع الدرجات النهائية، حيث إنه عندما يدخل الامتحانات التى لا تتم فيها معرفة الأسماء مسبقًا كانت درجاته تأتى متأخّرة عن كل رفاقه، واكتشف بعدها أنه لم يرث من جده شيئًا سوى أنفه!!
لدينا تنويعات على نفس التيمة، مثلًا وجود المخرج رامى إمام فى الدراما التليفزيونية صار مرتبطًا بحضور والده، وفى العادة أيضًا محمد بدايةً من «فرقة ناجى عطا الله» وصولًا إلى «صاحب السعادة»، وهو ما ينطبق على يحيى الفخرانى الذى لا يعمل الآن إلا تحت قيادة ابنه المخرج شادى، انتقل معه من «الخواجة عبد القادر» إلى «دهشة»، وعندما توقَّف الفخرانى الأب فى رمضان الماضى توقَّف أيضًا الفخرانى الابن، وهو ما تجده مع محمود عبد العزيز فى «جبل الحلال» وابنيه الممثل كريم والمنتج محمد!!
لا أنفى عن أبناء هؤلاء الفنانين تمتّعهم بقدر من الموهبة تختلف درجتها، إلا أن من المؤكد أن إصرار الكبار على حضور أبنائهم يحرم الآخرين من حصولهم على فرصة مماثلة، يحيى وعادل هما حلم العديد من المخرجين وإصرارهما على شادى ورامى يحول دون منح الفرصة لأكثر من مخرج موهوب ربما يضيف إليهما شيئًا.
من حق الأب أن يقف بجوار ابنه مرة، ولكنه لا يظل مرتبطًا به طوال العمر، مثلًا وحيد حامد كتب سيناريو وحوار «عمارة يعقوبيان» أول فيلم روائى لابنه مروان حامد، ولكنه منذ ذلك الحين لم يعاود التجربة معه رغم أنه يُرشِّح دائمًا لإخراج أفلامه ومسلسلاته مخرجًا جديدًا من جيل مروان.
من البدهى أن عوامل الوراثة تنتقل عن طريق الجينات، كما أن المناخ العام الذى نشأ فيه الطفل يوجهه لاختيار مهنة الأب أو الأم، إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يصبح هو القاعدة، حيث يبدو وكأن الحياة الفنية فى مصر صارت عقيمة لولا أبناء الفنانين، نعم لن يستطيع أحد فى نهاية الأمر أن يفرض فنانًا على الجمهور، إلا أن ما يؤثِّر على الحياة الفنية بالسلب هو حالة الزحام والفوضى والفرص التى يحصل عليها مَن لا يستحق وتخصم ممن يستحق، سيظل كل نجم يدفع ابنه بأسلوب مباشر أو غير مباشر ويصرّح بأنه أبدًا لم يمنحه فرصة لا يستحقها، فهل يعتقله داخل المنزل حتى لا يمارس الفن؟!
هل يكذب الآباء عندما يؤازرون أبناءهم؟! الحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يكونوا محايدين، أتذكَّر حوارًا للموسيقار الكبير رياض السنباطى أجرته معه الإذاعة عام 74 -أعادوا إذاعة الحوار قبل عامين فى ذكرى السنباطى- وكان عبد الحليم وقتها فى عز توهّجه الفنى بينما الراحل أحمد السنباطى ابن رياض السنباطى كان قد بدأ خطواته الأولى فى عالم الغناء والتلحين والتمثيل، سألت المذيعة السنباطى «الأب»، والمعروف عنه صرامته وصراحته، عن رأيه فى ابنه، فأجابها بأنه النغمة الصحيحة القادمة وأن مَن يعتلى القمة حاليًّا، يقصد عبد الحليم، لن يستطيع الصمود أمام هذا الطوفان الذى يقوده ابنه. الآباء أحكامهم منحازة إلى أبنائهم وكأنهم يقولون للآخرين «خدوا عينى شوفوا بيها»، لقد وقع النجم العالمى ويل سميث فى نفس المصيدة وأسند إلى ابنه جادين بطولة فيلم «بعد الأرض» فحصل الابن والأب قبل عامين على جائزة التوتة المعطوبة «راتزى» التى تُمنح للأسوأ.
على الأبناء أن يأخذوا الحكمة من حفيد بيكاسو ويتحسَّسوا جميعًا أنوفهم ليعرفوا كم واحد منهم ورث فقط أنف أبيه!