ربنا يجعل كلامنا خفيفًا عليهم، أقصد الدولة التى تعتبر أن مصادرة الردىء من الأعمال الفنية هى هدفها الأسمى. وتدخل فى معركة بعد أخرى لتلعب دور «زعيم السيما أبو شنب بريمة» وسط حفاوة وتصفيق الجماهير.
دائمًا ما أحذر تلاميذى فى محاضرات النقد الفنى من شيئين: أولًا استخدام أفعل التفضيل مع الأحسن أو الأسوأ، لأن هناك دائمًا فى القادم ما هو جدير بتلك المكانة، الثانى.
إياك أن تغادر مقعدك فى دار العرض قبل انتهاء الفيلم وتكتب لم أستطع استكمال الفيلم بسبب رداءته.
ولولا أننى أريد أن أظل دائمًا أقول ما أفعل وأفعل ما أقول لغادرت مقعدى قبل انتهاء الفيلم، ولكتبت عن «ظرف صحى» أنه الأسوأ.
ذهبت إلى السينما فى وسط المدينة كنت قد شاهدت أغلب الأفلام الجديدة، ولم يبق لى سوى «جيران السعد» و«ظرف صحى»، فى الماضى القريب وأعنى به قبل بضعة أشهر وفى الأعياد تحديدًا كانت لدى القدرة على أن أشاهد من تلك الأصناف فى اليوم الواحد مثنى وثلاث ورباع، ولكن من الواضح أن الأمر صار أكبر من احتمالى.
هل ما شاهدته كان فيلمًا؟ كنا فى الصالة سبعة فقط، الجمهور لديه مؤشر خفى، وهو قد اكتشف منذ اللحظة الأولى أن هذا ليس فيلمه، فلماذا يكلف خاطره ويقطع تذكرة؟ لاحظت أن متفرجًا يدخن سيجارة وبائع الشاى والقهوة لا يتوقف عن الدخول ومعه أيضًا الشيبسى والحاجة السقعة والطرقعات لا تتوقف، كنت سعيدًا بهذه الشوشرة، لأنها تخفف من وطأة ما أحس به يجرى أمامى على الشاشة.
البطل لديه محل لبيع وتصليح أجهزة الصرف الصحى ولا بأس من ذلك بالطبع، ولكن هذا لا يعنى أننا بالضرورة يجب أن نشاهده هو وأصدقاءه وهم يجلسون القرفصاء على تلك الأجهزة ودائمًا فى وضع الاستعداد، داخل الحارة التى تجرى فيها الأحداث نرى الحانوتى وصاحبة المقهى وبائع المخدرات والقزم والطفلة التى تقع ضحية الإدمان وبائعة الورود وبائعة الهوى والمطرب عبد الباسط حمودة والراقصة والشاذ، وفجأة يتذكر الجميع أغنية المرحلة «تسلم الأيادى» وينتقل البطل وخطيبته فى لحظات من قائمة الحرامية إلى سجلات الوطنية مع مرتبة الشرف، والشعب والشرطة إيد واحده.
نسيت أن أذكر لكم أن بالفيلم أيضًا عمليات إجهاض وأكثر من خناقة حريمى ورجالى وضربًا بالسنج والمطاوى.
من أنتم؟ كلمة معمر القذافى الخالدة، وجدت نفسى أستعيدها وأنا أشاهد الفيلم، بالفعل مَن هؤلاء؟ أول مرة أقرأ اسم المخرج إبرام نشأت، أعلم بالطبع أنه مثل أى فنان جديد يبحث عن فرصة، وهناك كاتب أتخيله أيضا يريد أن يقتحم عالم السينما، عبد المنعم طه ومدير تصوير تامر جوزيف، لماذا لم يسأل أحدٌ من هؤلاء الشباب؟ ماذا نفعل؟ وما المقابل؟
بينما الوجوه المعروفة مثل دوللى شاهين وسليمان عيد وعلاء مرسى وضياء مرغنى، كلهم لا يعنيهم سوى أكل العيش، نعم أكل العيش مُر، ولكن الأمرّ منه هو ما فعلوه على الشاشة. دوللى مثلًا تبدو لى مثل دمية بلا روح، وشاهدت ممثلة أتصورها أيضا هى المنتجة تؤدى دور صاحبة المقهى، ولهذا تزداد مساحة دورها، كأنهم يفسحون لها الطريق، مثلها الأعلى فى التمثيل فيفى عبده.
كيف نواجه هذه الأفلام؟ نتناولها بالنقد والناس تُدرك من الوهلة الأولى أنها ليست أفلامًا وتنتهى سريعًا، ولن يتذكرها أحد، نعم تجد فيها لو فتشتت ما يثير حفيظة المجالس القومية للأمومة والطفولة والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة والرفق بالإنسان وبالحيوان، ناهيك بالمؤسسات الدينية.
أتمنى أن لا تعمل الدولة عقلها بعقل هذه الأفلام، فالجمهور كفيل بها!