أراد أن يُنهى لقاءه الإذاعى معى بسؤال كلاسيكى عن «أمنياتك لمصر»، لم أتحمس لتلك النهاية المتوقعة ولم أشأ أن أتورط معه فى لعبة السؤال والإجابة اللذين لا يقدمان سوى خدمة ملء الوقت، هربت من الكلاسيكية وقلت له صادقا لقد توقفت عن التمنى، لا أعرف ما الذى يجب أن أتمناه لهذا البلد، فأنا شخصيا لم أعد متأكدا «مصلحة البلد دى فى إيه».
على مدى الفترة الماضية كان الواحد يتمنى يوما بيوم ومعركة بمعركة، هناك دائما اختيار بين السيئ والأكثر سوءا، كان الواحد يتمنى أقل الضررين وهو يعرف أنه ورطة جديدة، لم أمتلك خلال الفترة الماضية أمنية طويلة الأجل، فترة امتحانات يحلم الواحد أن تنتهى بالنجاح، لكن الامتحانات نفسها لا تنتهى، وأصبحت الأمنيات قصيرة العمر وهى أن نعبر بنجاح من امتحان اليوم فى انتظار واحد جديد، أو ورطة تحاول أن تهرب منها إلى ورطة أخفّ وطأة، وتدهشك فى كل مرة قدرة البعض على أن يصوروا للناس أن الخلاص من هذه الورطة هو النجاح التام والنهاية السعيدة: فلنمنح الشباب فرصة، فلنسحبها، فلنُخرِس صوت الثورة حتى يعود الاستقرار، فلننتخب الإخوان حتى نعبر المأزق، فلننقلب عليهم حتى يعود لنا البلد، فلننتخب السيسى حتى ينهض البلد، فلتقاطعوا حمدين لأنه يعبر عن تجربة ناصرية ولكن انتخبوا السيسى لأنه يستكمل مشوار الزعيم عبد الناصر! يبدو الوطن كأنه يحاول أن ينجز ورقة رسمية فى مصلحة الشهر العقارى ومع كل خطوة تبدو عقبة تطالبه بإنجاز ورقة أخرى تساعده فى مهمته الأصلية، ينجز الوطن أوراقا كثيرة يمتلئ بها الدوسيه حتى تاهت الورقة الأم.
أمنياتى الأصلية تاهت بعد أن شتَّتَتْنا الأحداث، كل ما أعرفه أننا «عمالين نبعد.. نبعد»، لا أعرف الاتجاه الذى نبتعد فيه ولا قادر على تذكُّر النقطة التى ابتعدنا عنها، كان الواحد يتمنى للناس أن ينعموا بالحرية، فترجَموا الحرية فى سرقة الشوارع والأراضى والأدوار السكنية المخالفة فى عمارات تنهار على أصحابها، كان يتمنى للناس أن يعلو صوتهم فكان أن سيطرت أصوات خليط من النعيق أو الجهل أو التطرف، كان يتمنى للبلد أن ينهى معضلة الفساد فتمكن الفساد بصورة أكبر إلى أن صار عُرفًا ممنهجًا، كان يتمنى للمهاجرين أن يعودوا فاقتلع كثيرون جذورهم من الأرض وفرّوا، حتى ظن الواحد أنه من مصلحة البلد أن يدار بالحسم والشدة فتمت ترجمة الأمنية فى إدارة متوقعة تؤمن بنظرية نور العيون، تمنَّى من قبل رحيل المجلس العسكرى فسيطر الإخوان وتمنى رحيل الإخوان فكان رحيلا يمتلئ بالثغرات لأنه تمّ دون حكمة كافية، تمنى الواحد أن تعلو أصوات بعينها لتأخذ بعقول الناس فَعَلَت تلك الأصوات تعوم على موجتهم، تمنى أن يأخذ أشخاص بعينهم مكانا بارزا فى المشهد فحدث لكن ظهورهم جعل المشهد أكثر ارتباكا.
تسألنى عن «أمنياتى لمصر»، أقول لك بقناعة تامة كلنا نتمنى الخير لها ولكن الخير وجهات نظر، وأتمنى أو لا أتمنى فى النهاية مصر بتعمل اللى هى عايزاه بس.