لا أعتقد أن هناك أمراً يشغل جميع طبقات الشعب مثلما تشغلهم الارتفاعات المتوقعة فى أسعار الوقود. ولعل الأزمات المتكررة فى الطاقة من انقطاع الكهرباء لشح الوقود قد أهلتنا جميعاً لتقبل الفكرة.
والكل يعرف أيضاً أن العلم يقول إن رفع الدعم هو القرار الاقتصادى السليم. ليس عبثاً أن البنك الدولى طالبنا بذلك، دعك من فكرة المؤسسات الدولية التى تتآمر علينا، لأنه استنزاف لا نهائى لاقتصاد مريض. ولكن المشكلة فى العبء الذى ستتحمله الطبقات المطحونة التى تمثل أغلبية الشعب، خصوصا بعد أن أتحفتنا الحكومة بتعريف الغنى بأنه ذلك (الخلبوص) الذى يملك غسالة وجهاز تكييف!
ولأن رفع أسعار الوقود يعنى ارتفاع أسعار السلع بأكملها. ليس بنسبة الزيادة فقط، بل للأسف أضعاف مضاعفة، إذ صرنا كلنا نضع أيدينا فى جيوب بعض، حتى تتوقف الدائرة عند الموظف محدود الدخل المسكين.
ومما يزيد الرفض الشعبى للقرارات المتوقعة أن الحكومة لا تمارس ضغوطها إلا على الحلقة الأضعف، فيما يستمر الدعم لمصانع الأسمنت والحديد. لكن توقيت الزيادة والإعلان عنه هو فى منتهى الغرابة فعلا، فجميع العهود السابقة كانت تخشى الاقتراب منه، خوفا من انفجار شعبى لا يمكن تحسب آثاره. لكن الحكومة الآن تتكلم عن رفعه بوضوح تام، بل اتخذت الخطوات الأولى فعلا فى رفع سعر الغاز والكهرباء.
يبدو التوقيت غريبا جدا لأنه ما من حكومة عاقلة ترفع أسعار سلعة حساسة إلى هذا الحد قبيل انتخابات رئاسية وشيكة. ولقد ناقشت مع أصدقائى على (الفيس بوك) سبب رفع أسعار الوقود فى هذا الوقت الحساس بالذات، ولعلها فرصة أن نوسع مساحة المشاركة.
توجد عدة سيناريوهات لتفسير هذا اللغز:
السيناريو الأول: بما أن رفع الدعم لابد منه، فإن على الحكومة الحالية رفع الحرج عن السيسى حتى لا يضطر بعد تسلمه الحكم إلى اتخاذ هذه القرارات المؤلمة. لكن ضد هذا التفسير ما يعلمه الجميع أن السيسى هو الحاكم الفعلى للبلاد منذ خلع مرسى. إذ إنه من البدهى أن قائد الجيش الذى يعزل رئيسا ويعين رئيسا، بل يعطيه سلطة إصدار القوانين هو الحاكم الفعلى للبلاد وليس أى أحد آخر.
السيناريو الثانى: لا توجد نية حقيقية لرفع الدعم حاليا، وإنما هى حيلة لزيادة شعبيته. إذ سترفع الحكومة الأسعار، فيضيق الشعب، فيلغى السيسى القرارات، وبذلك يصبح صديقا للفقراء وعبدالناصر الجديد.
السيناريو الثالث: السيسى واثق من إحكام سيطرته على البلاد، لدرجة أنه لا يهمه رد الفعل المتوقع من الجماهير، طالما يرى أن صالح البلاد كذلك.
السيناريو الرابع: السيسى يُدفع للفشل! وسوف تتم التضحية به، كما تم إسقاط مرسى من قبل، توطئةً لسيناريو مخيف يُدار لمصر.
السيناريو الخامس: لماذا كل هذه الترهات والتفسيرات المريضة التى تعكس كراهيتكم المكتومة للسيسى؟ السيسى محبوب فعلا من مؤيديه، وهم أكثرية الشعب. وهم يثقون به إلى الحد الذى يجعلهم يتحملون التضحيات لإيمانهم بأنه بطل شعبى لا يهمه سوى تقدم مصر ويعمل لصالحها.
السيناريو السادس والأخير: كل هذه السيناريوهات ليست صحيحة. وإنما «محدش فاهم حاجة يا عم الحاج، ومصر طول عمرها محدش فاهم فيها حاجة، وسيبها كده ماشية بالبركة».
ترى أى السيناريوهات أقرب إلى تصوركم يا أصدقائى القراء؟ عن نفسى أنا منحاز للسيناريو السادس.