ذهبت الطفلة التي لم يتجاوزعمرها عشرة أعوام، إلي أبيها، وقالت له: «أنا بحب البيانو، وعايزه اتعلم أعزف عليه»، فرح الأب بابنته، وقال لها: «عشان تتعلمي بيانو، لازم تتعلمي تعزفي كمنجه»، فرحت الطفلة، وأصبح الكمان رفيقها غير المحبوب، أملا في مرافقة المحبوب، البيانو. تعلمت الطفلة العزف علي الكمان، واتقنته، وفي يوم خريفي، شبكت يد في يد أبيها، والأخري تمسك الكمان، وذهبا إلي معهدالكونسرفتوار، ليمتحنها عميده الروسي الجنسية وقتها، والذي أمر بدخولها المعهد مع منتصف العام، لموهبتها غير الطبيعية. الطفلة هي حنان ماضي، والأب هو محمد ماضي عازف الكمان في فرقة أم كلثوم، والذي كان يجلس في الصف الثاني.
كان العام الأول في المعهد نوع من العذاب، الحياة تحولت عند حنان إلي كمان لا يفارقها، وكان حلم البيانو مازال قائما، فكان الغناء مع الكورال هو المتعة التي تسرقها بين الدروس الموسيقية. وبعد أن صدمها مدرس وقتها بقوله:"مافيش بيانو، إنتي عازفة كمنجه ماحصلتيش"، عادت حنان إلي المنزل في وسط البلد، ولأول مرة تشعر أن الكمان ضحك عليها، وسرق حلمها الطفولي. ربما تكلمت مع آلتها المفروضه عليها، وربما تحول الأمر إلي تحدي، لكن الأكيد أنها قررت أن تكون أمهر عازفة كمان، وبمساعدة بيتهوفن وموتسارت وباخ، اكتشفت أن الكمان لا ذنب له في قصتها، بل هو حبها الحقيقي، فحصلت علي أعلي الدرجات في كل تقييماتها خلال الدراسة في المعهد، مع الاستمرار في الغناء مع الكورال، وحصلت علي الثانوية الموسيقية بمجموع عالي.
انضمت حنان لأوركسترا المعهد، وسافرت معظم دول أوروبا كعازفة كمان مع الأوركستر، منها ألمانيا وبريطانيا والمجر وكندا، تعزف مقطوعات الموسيقي العالمية لكبار الكلاسيكيين. وخلال العام الثاني "عالي" في المعهد، كان زملاؤها يستعينون بها في مشروعاتهم خلال الدراسة، لكن كمطربة وليس كعازفة كمان، فعرفها أساتذة المعهد كصوت جميل، وعندما تولت سمحه الخولي عمادة المعهد، كانت تطلب منها الغناء مع العزف علي الكمان.
تخرجت حنان من المعهد بامتياز، وكان الوعد بتعيينها معيدة للكمان في المعهد، فبدأت في تحضير رسالة الماجستير، لكن المعهد لم يف بوعده، علي الرغم من أحقيتها بالتعيين، فتركته بلا هدف محدد. خلال هذه الفترة، تعرفت حنان علي عازف كمان اسمه ياسر عبدالرحمن، كما تعرفت علي عمر خيرت، وانضمت وياسر كعازفي كمان في فرقة عمر، ونفذا معه ألبوماته الموسيقية منها "العرافة والعطور الساحرة"، وكل أعماله الموسيقي التي اشتهرت خلال الثمانينيات، لكن عمر كان علي يقين أن في فرقته مطربة لا مثيل لها.
أثناء تسجيل تترات مسلسل "اللقاء الثاني"، كانت حنان موجوده في الاستديو كعازفة كمان، وبسبب تأخر علي الحجار علي بدء التسجيل، طلب منها عمر خيرت ملحن ومؤلف موسيقي المسلسل، أن تسجل أغنية التتر بصوتها لحين وصول الحجار. سجلت حنان الأغنية بصوتها، وعندما حضر الحجار وسمع صوتها، طلب من عمر أن تصاحبه الغناء في التتر، ومن هنا ظهرت مطربة اسمها حنان ماضي، لتعيد التجربة في تتر مسلسل "المال والبنون".
تزوجت حنان ياسر عبدالرحمن، الذي كان يطمح في تقديم موسيقي مختلفة تخصه. وفي عام 1989، قرر ياسر عمل أول ألبوم لحنان"عصفور المطر"، بعد تجربة كورال في ألبوم سبقه لأغنيات قديمة. عرف الجمهور صوت حنان بأغنية"عصفور المطر" كلمات جمال الشاعر بعد تصويرها، والتي كانت نوعا مختلفا من الموسيقي والتوزيع البطل فيه كان آلة الكمان، لتستمر التجربة الثرية بألبومات "في ليلة عشق" 1992، و"احساس" 1996، و"شباك قديم" 1999.
لم يكن ظهور هذا النوع من الأغنيات سهلا، فقد واجه ياسر وحنان مصاعب كبيرة في الإنتاج، وكانا ينتهيان من تسجيل الأبوم كاملا بشكله النهائي، ثم يبحثا عن منتج له، خاصة بعد وفاة راعي "الغناء المحترم" أنور عبدالوهاب صاحب شركة "روكي" في حادث سيارة، والذي أنتج للصفوة من المطربين مثل أنغام وعلي الحجار ومدحت صالح، ولحنان ماضي أول ألبوماتها "عصفور المطر"، بينما كان ألبوم" ليلة عشق" انتاج "هاي كواليتي"، وألبوم "احساس" انتاج "صوت الدلتا"، وألبوم "شباك قديم" انتاج "الرسالة".
بعد انفصالها عن ياسر عبدالرحمن، وتغير شكل الغناء، وتدنيه إلي مناطق لا يمكن أن يظهر فيها صوت حنان خاصة في مستوي الكلمات، توقفت حنان عن الغناء، لكنها ظلت تغني تترات مسلسلات منها "البحار مندي" و"هوانم جاردن سيتي" وأخيرا "آسيا" العام الماضي، وعلي الرغم من هذا الاختفاء، مازالت القنوات تعرض أغنياتها القليلة عددا (33 أغنية في 4 ألبومات)، مقارنة بجيلها، لكنها لا مثيل لها،فهي تحتل منطقة خاصة في وجدان المصريين، لا تشبه مناطق غنائية أخري، وتعود بمشروع غنائي أعلنت عنه كتجربة وصفتها بالجديدة، لكنها ليست بعيدة عن تاريخها، فهي صوت مريح، حساس، يستطيع أن يفرح ويحزن ويغضب دون أن يجرح القلوب والآذان، مثل آلة الكمان تماما، وليس البيانو.