لماذا تكره الست «عصابة الشر» وقطعان حلفائها وتوابعها المجرمين القتلة، كل منجزات مسيرة التحضر الإنسانى، خصوصا الحقوق والحريات عموما وحرية التعبير والصحافة والإعلام بالذات؟!
ذلك سؤال ربما كانت إجابته الشافية طويلة جدا، لأنها لا بد أن تتضمن شرحا وتفصيلا وتفكيكا لمكونات خلطة جهنمية من دوافع وأسباب معقدة تقف وراء هذه الكراهية وذلك العداء الشديد للحرية، والنفور شبه الغريزى من منجزات التحضر الإنسانى كلها تقريبا، على نحو يبدو ملحوظا ومفضوحا بقوة فى كلام ومواقف وهرطقات وعربدات، لا أول لها ولا آخر، ترتكبها حاليا مخلوقات مسكينة منخرطة فى جماعات جلفة وقطعان بدائية تنسب نفسها للدين الحنيف الذى استخدمته «مع البؤس» لكى تقتحم حياتنا بغشم وفظاظة، قبل أن تسطو على ثورة لا تؤمن بشىء من أهدافها أصلا، ثم تقفز إلى سدة حكم البلاد بالتآمر والمخاتلة وفيض هائل من الكذب على الله والناس، فضلا عن بحر مال لا ينضب ومجهول المنابع.
رغم هذا التعقيد هناك ملامح رئيسية ترسم إطارا للإجابة عن سؤال لماذا يكره هؤلاء القوم الحرية ولا يطيقونها؟ «يتشدقون بها الآن عملا بمبدأ (الحرب خدعة)»، وأغلب هذه الملامح يدخل ضمن حزمة المعطيات العقلية والتربوية التى تشكلت تحت ظلالها الثقيلة أدمغة أعضاء هذه العصابة وحلفائها، فشوهت وعيهم ونالت من أرواحهم وشوهت فطرتهم الإنسانية.
فى ما يخص التربية، هؤلاء القوم خضعوا لنوع من الإخصاء العقلى قاس وممنهج، اجتث أو أعطب فضيلة التعلم والتفكير الطليق، ومن ثم تضررت بشدة القدرة الطبيعية على اكتساب المعرفة الراقية التى بها وحدها يتطور الإنسان وتسمو روحه وتتهذب نوازعه، فعندما يحشر فى أدمغة عضو «العصابة» هذه مبكرا أنها وحدها «جماعة المسلمين» وهى التى تحتكر الحق والفضيلة ورضا المولى تعالى، وأن كل من يسعى فى الدنيا الواسعة خارج كهوفها الموحشة إما كافر أو منحرف أو ناقص الإيمان «راجع وثائقهم الفكرية»، فإن هذه الأدمغة تصبح من العتمة والخراب والانغلاق بحيث يسهل جدا أن تتعايش وتتعود على السكون والشلل التام، وتقبل بغير أدنى مقاومة خزعبلات وترهات فكرية من نوع أن الآخرين المختلفين «فكريا ودينيا» هم جميعا خصوم بل أعداء لا حقوق لهم بالمرة، وإنما حلال فيهم و«يستحل» معهم ارتكاب أى موبقات، من كذب وخداع وتزوير وشراء للذمم «ولو بقزازة زيت» مرورا بالقمع، بل وجنون القتل والتخريب والإيذاء الجماعى لخلق الله على النحو المروع الذى نكابده منهم الآن!!
إذن، هى تربية تحبس العقل والروح فى ظلام وحدانية بائسة قاسية ومريضة، بينما الوعى بالحرية والإيمان الحق بها يتطلب ثقافة عميقة تسمح برؤية حقيقة أن الكون والدنيا والمجتمعات الإنسانية خلقت كلها، وفطرها خالق السموات والأرض على ناموس التعدد وقانون التنوع والثراء والاختلاف.
هذا هو الأساس العقلى والسبب التربوى لمرض كراهية الحقوق الإنسانية والعداء المتأصل للحريات بكل أنواعها. غير أن ما يفاقم هذا المرض ويجعل أعراضه تكتسب حالة هيجان وسعار عدوانى أخرق، أن الجماعات المشوهة المريضة هذه قفزت إلى سدة الحكم «مهجوسة بالطمع والجشع» فى بلد كبير عظيم الإمكانيات والمشكلات، بينما هى فقيرة جدا وعارية بالمرة من أى كفاءة أو مهارات، سوى تصميم الحيل التآمرية الهابطة واتباع تكتيكات عصابات الشوارع فحسب، فكان طبيعيا أن تكون الخيبة القوية والفشل الذريع هما قدرها المحتوم، لذلك فقد حصدت واستأثرت فى أقل من عام واحد بفيض هائل من البغض والكراهية، لم يتمكن نظام حكم هذا البلد فى كل مراحل تاريخه الحديث من «التكويش» على مثيل له حجما وعمقا.. ولأنها تزهو وتفتخر بالجهل والغباوة وتعض عليهما بالنواجذ، فقد ركبها الوهم نفسه الذى ركب رؤوس كل الحكام الطغاة الفاسدين على مر الزمان، وخلاصته أن إظلام البلد المخطوف وقطع ألسنة الإعلام الحر وإرهابه «محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى واقتحام مقرات بعض الصحف وملاحقة مئات الصحفيين والكتاب والإعلاميين بتهديدات صريحة وبلاغات كاذبة» هو السبيل الوحيد للهرب والإفلات من سوء المصير، إلا أن مصيرها المظلم المحتوم أدركها بسرعة البرق وخلع الشعب المصرى شوكتها المسمومة من بدن الدولة والمجتمع بثورة أسطورية عظيمة.. عندئذ سقطت كل الأقنعة ومساحيق الزواق الرديئة، فظهر الوجه الحقيقى البشع واضحا سافرا يصفع عيون أصحاب البصر والبصيرة، وكذلك العميان أيضا!!