لم نتغير لا ثورتين ولا عشر سوف تغير شيئا، فلا نزال ننتظر الرئيس، وندبج له الرسائل من الآن، هذا هو ما قلته فى اجتماع دعا إليه المركز الحقوقى المرموق، وهم بصدد إعداد أجندة لتقديمها للرئيس القادم، وكأنهم لا يعلمون من هو القادم.
دعكم من هذه، فكلنا بشكل أو بآخر نشارك فيها، أقصد تلك اللعبة، وكأننا لا نعرف من هو القادم، لكن السؤال، هل لا نزال نعتقد أن الحل فى الرئيس السابق أو الأسبق أو الحالى أو القادم، ونسلم له أرواحنا ورقابنا، ولا نفعل شيئا سوى أن نردد «الحقنا يا ريس.. انقذنا يا ريس».
الكل ينتظر المنقذ، حتى المثقفون يعتقدون أن الحل عند الرجل الكبير قوى، ولا يدركون أنهم يملكون فى أيديهم الحل عندما يملكون قرارهم، لكن مع الأسف تجدهم يتصارعون فى النهاية على من يكتب رسالة أكثر خضوعا للرئيس.
كان الحوار كالعادة عن الأعمال الفنية المصادرة أو التى فى طريقها للمصادرة، ولم يجدوا سوى الاستجارة بالرئيس، قلت إننا تعودنا على ذلك، ودائما الرئيس فى نهاية الأمر يوافق على العمل الفنى، لأنه الوحيد الذى يملك القرار، وتلك هى المشكلة.
قبل أيام قلائل وعلى صفحات جريدة «الأهرام» كتب الأستاذ سامى شرف، السكرتير الخاص للرئيس جمال عبد الناصر، أن فيلم «شىء من الخوف»، الذى كثيرا ما يعتبرونه عنوان ديمقراطية ناصر، ذكر سامى أنه فى البداية أحال الرئيس الموضوع برمته إلى أنور السادات، باعتباره نائبا له، لكن السادات رفض الفيلم، وهو ما حدث قبلها مع ثروت عكاشة وزير الثقافة، أى أنه لم يستطع أحد أن يتحمل المسؤولية سوى رجل واحد، هو جمال عبد الناصر، وسلملى ع الديمقراطية.
هذه الواقعة التى يحسبونها فى ميزان حسنات جمال عبد الناصر نصير الحريات، بينما الحقيقة أننا لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية الرجل الواحد، الذى يُمسك بمحبس الحنفية فى يده، وما ينطبق على جمال هو بالضبط ما نطبقه على السادات ومبارك ومرسى والقادم. هل استمعتم مرة إلى رئيس يقول إنه ضد الإبداع، الكل يعتبر أنه مع الحرية، لكنه فى نفس الوقت هو المرجعية الوحيدة، والحقيقة أن المثقفين هم الذين صنعوا هذه القدسية بوصلات النفاق التى أمطروها على الرؤساء السابقين والقادمين، فهم دائما قابلون للتدجين فى انتظار الثمن.
الكل لديه مشروعه الخاص يريد إنجازه، ويعلم أن الدولة تملك فى يدها الكثير من الخيوط، ولهذا يقدمون لها السبت، وينتظرون ما تجود به عليهم، هناك دائما حالة فرز تجريها الدولة بين الحين والآخر على المثقفين، ومن شروط الولاء التى تريدها الدولة هى «الحقنا يا ريس»، عليك أن تُشعر الرئيس أنك لا تنتظر غيره لإنصافك، والغريب هذه المرة أن مركزا حقوقيا يسهم فى ترسيخ هذا المبدأ. دائما مصالحهم الصغيرة هى التى تحركهم، والدولة تعلم ذلك وهكذا يزايدون فى سعيهم الدائم للارتماء فى أحضانها من أجل مزيد من الحماية، وفى انتظار مزيد من العطايا.
هل كانوا بالفعل ديمقراطيين حتى على المستوى الشخصى، أقصد الرؤساء؟ الحقيقة، التى ينكرها عديد من الناصريين رغم أنها موثقة، هى أن عبد الناصر الذى وافق على «شىء من الخوف» هو نفسه عبد الناصر الذى قايض قبلها بخمسة عشر عاما إحسان عبد القدوس على حذف كل مشاهد محمد نجيب من فيلم «الله معنا» مقابل أن يمنحه ترخيص العرض، والغريب أن الصور الفوتوغرافية متوفرة على النت للفنان زكى طليمات، وهو يرتدى ملابس اللواء محمد نجيب فى الفيلم، قبل حذفها من نسخة الفيلم الأصلية.
الرقابة دائما وفى كل العهود جزء من تلك اللعبة، يوافقون أو يرفضون بعد الرجوع إلى الجهات المختصة، لكن لا أحد يتحدث أبدا عن ضوء أخضر يحصل عليه أولا من النظام، لا توجد بطولة ولا يحزنون، إنها خدعة صحفية عندما تطلق على بعضهم لقب «رقيب مستنير»، بينما الكل يعلم أنه «مستجير».
لن يمنح رئيس الحرية للشعب، لا تصدقوا أن القادم سوف يتحلى بصفات ديمقراطية، طالما أن المثقفين على الجانب الآخر لن يتوقفوا عن كتابة رسائل استجداء للرئيس القادم!