فى مطلع الأسبوع الماضى نشر بعض وسائل الإعلام الغربية أخبارًا وتقارير شبه متطابقة، تفيد بأن الحكومة الفرنسية اضطرت إلى دفع مبلغ 18 مليون دولار كفدية لضمان تحرير أربعة صحفيين من رعاياها، بعدما أمضى هؤلاء نحو عام فى الأسْر، منذ أن خطفتهم «فى شهر يونيو العام الماضى» واحدة من عصابات المرتزقة الإرهابيين «كلها تنسب نفسها زورا وبهتانا للإسلام»، التى دفنت انتفاضة الشعب السورى من أجل الحرية والديمقراطية، وجعلته مجرد وقود فى محرقة جهنمية رهيبة دمرت سوريا الشقيقة ووضعتها على شفا التمزق والتحلل التام.
وفى هذا السياق نشرت مجلة «فوكوس» الألمانية يوم السبت الماضى تقريرا مفصلا عن الموضوع، ونقلت عن مصادر فى مقر قيادة الحلف الأطلسى ببروكسل، أن فرنسا اضطرت إلى دفع مبلغ الفدية المذكور بعد شهور طويلة من المفاوضات والمساومات الصعبة مع العصابة الإرهابية التى خطفت اثنين من الصحفيين الأربعة فى مدينة حلب السورية، وبعد أيام خطفت الاثنين الآخرين فى مدينة الرقة، وحسب المجلة فإن هذه المفاوضات تمت كلها عبر المخابرات التركية، وظلت هذه الأخيرة حاضرة وتلعب الدور الرئيسى فى المشهد حتى نهايته، إذ هى التى تسلمت مبلغ الفدية من وزير الدفاع الفرنسى جان إيف لودريان، ومن ثم سلمته هى للخاطفين قبل أيام من قيام هؤلاء بإطلاق سراح أسراهم، ونقلهم إلى مكان قريب من الحدود السورية-التركية، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن مدينة تركية صغيرة تدعى «اكتشاكال»، حيث كانت تنتظر قوة مشتركة من المخابرات والجيش التركى التقطت الصحفيين المحررين ونقلتهم إلى بلادهم!!
وأشارت المجلة الألمانية فى تقريرها إلى أن المخابرات الفرنسية تمكنت مبكرا من معرفة مكان احتجاز الصحفيين المخطوفين، لكن حكومة باريس والرئيس فرانسوا هولاند شخصيا امتنعا عن القيام بعملية عسكرية لتحريرهم لسببين، أولهما سياسى، وهو الحرج والخوف من أن تبدو فرنسا كأنها غيرت موقفها المعلن وشديد الحماس فى المطالبة بدعم عصابات المجرمين الإرهابيين، الذين تسميهم عواصم الغرب «جماعات المعارضة» السورية المسلحة.. أما السبب الثانى والأقل أهمية، فهو الخشية من فشل العملية وإقدام العصابة التى تحتجز الصحفيين الأربعة على قتلهم!!
وكما هو متوقع، فقد سارعت الحكومة الفرنسية بإنكار المعلومات التى نشرتها مجلة «فوكوس»، وقال مكتب وزير الدفاع إن «الحكومة تنفى بشكل قاطع» كل هذه المعلومات، وكرر المعنى نفسه وزير الخارجية لوران فابيوس، إذ أكد أن «الدولة الفرنسية لا تدفع فديات» للإرهابيين، مشيرا إلى تصريحات سابقة كان أدلى بها الرئيس هولاند، بعد أن استقبل بنفسه الصحفيين المحررين فى المطار، فهو تحدث عما سماه «مبدأ عدم دفع أموال لمن يحتجزون رهائن»، وأضاف قائلا: «هذا مبدأ مهم جدا لكى لا نشجع الإرهابيين على خطف آخرين.. لقد تم كل شىء بالمفاوضات والمباحثات فحسب».. وطبعا لم يشر ولا قال شيئا عن «المقابل» الذى حصل عليه مختطفو مواطنيه الأربعة مقابل الإفراج عنهم، تاركا للبلهاء الاقتناع بأن المجرمين الإرهابيين والقتلة، طيبون ومهذبون جدا ويتمتعون بضمير يقظ وتربية ممتازة وأخلاق حسنة، يمكن التعويل عليها فى إقناعهم بالحسنى أن «خطف الأبرياء» عيب ومايصحش.. أما القتل والتدمير والتخريب والتكفير فليس على من يرتكبها لوم ولا أى حرج!!