سحَب الفكهانى الكيس من يدى بعد أن كنت وضعت فيه 3 حبات وسألنى بلهجة حازمة «إنت عمرك نقّيت فراولة قبل كده؟»، كان السؤال مباغتا ومحرجا، حاولت أن أتذكر أى طيف لمشهد قمت فيه بتنقية الفراولة لأكون صادقا.
كنت على مدى اختيار ثلاث حبات أفكر فى أشياء كثيرة: غباء الإخوان أضاع منهم كرسى الحكم، ولن يعيده إليهم إلا غباء مماثل مساوٍ فى القوة ومضاد فى الاتجاه وعلى نفس خط العمل.
هناك فى قلب كل تجربة داخل هذه الدولة نموذج مشابه للصعيدى الذى قرر أن يجامل قريبه فى فرحه فقام بإطلاق أعيرة نارية فى الهواء نتج عنها سقوط العريس قتيلا لينقلب الفرح مأساة.
تلك الطلقات الغبية المجامِلة تجسّدت أمامنا فى تجارب كثيرة، وليست تصريحات الدفاع بالدم عن كرسى الإخوان أفضل من المداهنة العنيفة التى قام بها أرباب موقعة الجمل، وهى نفسها أحكام إعدام مئات المربوطين ليصمت «السايبين»، وهى نفسها الجليطة التى أحاط بها كثيرون بعض أهل الثورة فصنعوا منهم أصناما بطريقة استفزت العاديين فانقلبوا على كل ما يوجد عليه توقيع الثورة، شخوصا وأفكارا وأمكنة.
ومثلما سمح الإخوان لدولة 30 يونيو بترسيخ أقدامها فى الحكم لأنها دولة اعتبرها كثيرون حائط صد ضد فاشية واضحة وغباء مستحكم وعنف أعمى وفرصة لنجاة البلد من يد الإخوان، فإن دولة 30 يونيو هى الوحيدة القادرة على أن تفتح الباب، لن أقول لعودتهم ولكن على الأقل لامتلاك أمارة لطموح من هذا النوع.
فإذا استمر معدل أحكام الإعدام على طريقة 500 فى 600 فنحن أمام لا دولة ولا قانون، بقدرة على الإعدام بالشبه تستطيع أن تفهمها إذا قارنت بينها وبين البراءة أو أحكام مخففة فى جرائم قتل موثقة بالصوت والصورة، ولا تطلب منى بعد إذنك أن أحترم أحكام القضاء، إذ إنه من اللائق أولا أن يحترم القضاء عقولنا.
وعندما تصدر أحكام إعدام جماعية لم نشهد مثلها من قبل فهذا أمر أقل ما يستحقه أن تقوم الدولة بشرح المأساة وتفسرها للناس.
لكننا نعود للنقطة صفر من جديد، فالدولة التى نراها «من على الوش» شىء والدولة القديمة شىء آخر، دولتان بطموحين مختلفين، دولة واجهتها رجل قانون بَشوش، ودولة أخرى تصنع فى السر قوانين بدائية الصنع للمجاملة بها فى الفرح.
احترام القانون هو الخيط الرفيع الذى سيسير عليه البلد خلال هذه الفترة ليعبر ارتباكه، حدِّثنى عن القانون الذى يستسهل الإعدام بالجملة، اشْرَحْه لى وأنا سأحترمه فورا.
«انت عمرك نقّيت فراولة قبل كده؟»،كان السؤال مباغتا ومحرجا، حاولت أن أتذكر أى طيف لمشهد قمت فيه بتنقية الفراولة لأكون صادقا. إلحاحه فى طلب الإجابة عطّل الذاكرة فقلت «أيوه حصل»، انتصب إصبع الرجل أمام فمه بحزم قائلا «ماتكدبش»، لم يكن أمامى إلا الانسحاب من المشهد دون التورط فى أى جدال عقيم لأن الحقيقة أنى كذبت بالفعل فلم يحدث أن «نقيت الفراولة من قبل»، ولم أجد فى الأمر إهانة أو تعنتا، فهذا قانون الفراولة الذى لم أحترمه.