المشكلة أكبر من السيسى.
السيسى مرشح «الأزمة».. لكن أىّ أزمة؟
على عكس ما يقال عادة إنها أزمة الحرب مع الإخوان. إنها أزمة أعمق.. أزمة «بنية الدولة» أى القواعد المؤسسة للدولة.. وعلاقة الدولة بالمجتمع/ ودور السلطة وانحيازاتها..
بنية الدولة فى مصر سلطوية.. وهذا أساس فسادها.. وخيبة الأمل فيها.. وذهابها من فشل إلى فشل..
من أيام محمد على إلى مبارك.. على اختلاف الإنجاز أو العقل أو الظروف السياسية.. السلطوية كانت أساس هزيمة الدولة.. وكل حاكم يبدو مثل إله يحمل دينه الجديد.. لا مدير سلطة تنفيذية يمارس دوره بعد اجتماع يغادر بعده المقعد..
كل حاكم/ إله يأتى بدينه وكهنته.. أو يسير على دين السابق عليه، لهذا عندما انقلب السادات على عبد الناصر سمَّى الناصريون ذلك «الرِّدة» بما يعنيه ذلك من دلالات دينية.
الأزمة إذن ليست الحرب مع الإخوان/ ولكن فى أن الحاكم عاد ليكون مرشحًا من الدولة/ أو من بين كهنتها.
هذه قواعد السلطوية التى لاحت فرصة لكسرها فى «٢٥ يناير» لكن كل العناصر السلطوية (نظام ودولة ومعارضة) تحالفت لتضييع الفرصة.. والتنافس داخل حدود السلطوية وهنا يأكل مرشح الدولة كل الفرص.. وهذه هى الأزمة، لأن السيسى بغريزة ابن الدولة يعى هذه النقطة ويريد فى مقابلها إلغاء السياسة (بالصمت الطويل/ والاختفاء فى مقر سرى/ ورفض اللقاءات العامة والإعلامية/ وطبعًا بالترويج لعدم ضرورة البرنامج).. هذا رهان النجاح: غياب السياسة وعودة كهنوت الدولة.. لا الدولة نفسها.. فالدولة التى تبنى على السلطوية مهزومة أو تسير إلى نهايتها.. وما نراه كهنوت الدولة بدون دولة.. أو بدون قدرة من الدولة على فعل شىء إن لم تنكسر سلطويتها..
بعد الاستعمار تأسست الجمهوريات بمشاعر«.. نستطيع أن نحكم أنفسنا».
ورغم أن جمهوريات «التحرر الوطنى» لم تغادر «الشرعية المعطوبة» للدولة الحديثة (الموديل الغربى للدولة القومية/ بقلب مملوكى/ وعداء للغرب/ ورعاية منه فى نفس الوقت)... إلا أن التأسيس على إرادة الحكم الذاتى منح «نَفَسًا» ليس طويلًا/ ومعنى آكلته السلطوية.. وهذا ما تفتقر إليه حتى الآن لحظة تأسيس جمهوريات ما بعد الثورات/ والمقصود بالطبع مصر وتونس/ حيث ما زال «التأسيس» بعيدًا/ ومن مرحلة انتقالية إلى أخرى يبدو الرهان على فشل فرق «القفز» إلى السلطة/ هو كل ما لدى القوى «الحالمة»/ فى مواجهة حرب بين القوى «الحاكمة».
هكذا بين الانتقال والتأسيس تبدو الجمهوريات الجديدة حائرة/ بمنظِّريها وآلهتها الكبار/ حيث يبدو كل منهم فى «خلوة زمنية» يؤسس عليها خطابه... بعضهم يستدعى الاستقلال الوطنى من «الناصرية» بدون مداه الأخير، حيث تتوقف العروبة عند حدودها الخليجية/ والعداء مع أمريكا إلى «استعراضات الآثارة التليفزيونية».
البعض الآخر سلطويته أنيقة، ويملك خطابًا يعتبره الدليل الحاسم على «تغيير الواقع..»/ وهؤلاء يرون الديمقراطية ستصبح واقعًا بمجرد إعادة توصيف المشهد الحالى/ بكامل ارتباكه ودمويته وفق توصيفات أخرى مستوردة حديثًا ومبتكرة.. لا يهم هنا أنها تصف الواقع نفسه/ وتشرّح الجثة نفسها.
هذه «الخلوات الزمنية» بماضويتها ومستقبليتها/ سبب الحيرة/ فكيف يقيم السلطوى دولة ديمقراطية؟ وكيف يمكن التحرر من أمريكا بدون مراجعة التحالف الاستراتيجى معها..؟ أما الديمقراطية فكيف تتأسس وهدير «الثوابت» و«الهويات» القادمة من كهوفها الدينية تجتاح الغارات المبنية كلها على الخوف من الإخوان، ذلك «العدو الأليف» الذى كان الانتقال إلى مرحلة أخرى مبنيًّا على فشله فى الحكم/ لكنه يتحول فى نفس الوقت إلى مبرر العودة إلى ما قبل 25 يناير/ تلك العودة المستحيلة.
السؤال الآن: ماذا بعد؟ ماذا سيحدث؟
يلخصه الخائفون: من سيحكم؟
سؤال فى طياته يؤسس لجمهورية «المنقذ»/ منتزعًا حلم جمهورية جديدة تمنع التسلط والوصاية/ إلى جمهورية تنظف آثار «المباركية» لكنها تحمى «دولته»..