عاد تونى بلير إلى دائرة الضوء، ونقلت وكالات الأنباء مقتطفات من الخطبة الطويلة التى القاها الأسبوع الماضى في وكالة أنباء «بلومبيرج» في لندن والتى وصلت لعشر صفحات وكان عنوانها “لماذا يعتبر الشرق الأوسط مهما؟،ولقد أهتمت الصحف المصرية بالخطبة لأن جزء منها تعرض للأوضاع في مصر، ولقد خصص بلير خطبته للحديث عن خطر الاسلام المتطرف على العالم، بأعتباره أكبر تهديد للسلم العالمى في بداية القرن الحادي والعشرين،حتى أن أزمة اوكرانيا، من وجهة نظره، تصبح هايفة بالمقارنة بهذا الخطرالماحق الساحق، ولهذا يدعو رئيس الوزراء البريطانى الأسبق الغرب لتجاوز هذه الأزمة والتحالف مع روسيا والصين للقضاء على الاسلام المتطرف !
ولقد قدم تونى بلير مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط ،تبريرا لأهتمامه بما يجرى في مصر ربما أكثر من الملف السوري،لمكانة مصر الريادية بالنسبة للعالم العربى، وماجاء في خطابه يتوافق مع الرؤية الشعبية المصرية عن 30 يونيو بأعتبارها ثورة وليست انقلاب وقوله :أن حكومة الإخوان المسلمين لم تكن مجرد حكومة سيئة بل كانت تقوم بشكل منهجى بالسيطرة على مؤسسات البلاد" وهو ما يتوافق مع رؤية عموم الشعب المصرى الذى رفض أخونة الدولة والجنوح بمصر عن مسار الدولة المدنية، ولقد دافع تونى بلير عن موقف الجيش المصرى المساند للثورة 30 يونيو بقوله :أن ثورة 30 يونيو بقيادة الجيش لم تكن احتجاجا عاديا، لكنها كانت تمثل الإنقاذ الضرورى تماما لدولة ويجب علينا دعم الحكومة الجديدة ومساعدتها.
الكلام حق يراد به باطل، وللأسف فأنه تم تداول تلك الفقرات من خطاب بليرفي صحفنا مقتطعا من سياقه، فبدا بلير حكيما يرى مالم يراه الكثيرون من زعماء العالم الغربى الذين لم يساندوا ثورة 30 يناير في البداية،ونسينا ماضى بلير الأسود ومواقفه طوال فترة حكمه التى امتدت لعشر سنوات كاملة حتى قدم استقالته، فسيرة الرجل تؤكد أنه رجل اعتاد الخديعة أو حسب توصيف صحيفة «الاندبندنت» له بأنه «رئيس الوزراء ذو العلاقات المشوشة تماما مع الحقيقة» فهذا الشرير الذكى كان الزعيم الأكثر دعما لبوش في حربه على العراق، والذى ضلل البرلمان والشعب البريطانى بتقديمه أدلة مزورة عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل ليبرر غزوه للعراق، وهو ما أدى لتكوين لجنة تشيلكوتفي صيف عام 2009 للتحقيق في تورط بريطانيا في حرب العراق، ولقد أكدت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية أن اللجنة أنتهت إلى ادانة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ولأسباب لايعرفها أحد يتم تأجيل نشر نتائج اللجنة. وثلث الشعب البريطاني يعتبر بلير مجرم حرب حسب جريدة الجارديان لخوضه حرب العراق، من دون تفويض من الأمم المتحدة، ولتسببه في قتل آلاف العراقيين ومئات الجنود البريطانيين، فبوش وحليفه بلير وأمثالهم من الأسباب الرئيسية لتوسيع رقعة الارهاب والتطرف الاسلامى، بسبب جرائمهم التى استهدفت بلدان وشعوب الشرق الأوسط، وتونى بلير الذى جمع الملايين من جراء خطبه حول العالم وتقديمه الاستشارات للعديد من الشركات والهيئات، يخدع العالم من جديد في محاولة لنشر فكرة ابتذلت من كثرة ترديدها وهي أن «عدو الأول للعالم هو الإسلام المتطرف» وهي فكرة تروج منذ سنوات في محاولة لأخفاء الوجه القبيح للغرب واطماعه ومحاولات فرض نفوذه بالقوة على بلدان العالم الثالث، وجريدة «هفنجتون بوست» الالكترونية كان المانشيت الرئيسى لها «مبعوث السلام يدعو الى الحرب... مرة أخرى».
وأمثال تونى بلير لايريدون أن يروا الحقيقة ولايعترفو بها وهى :أن أخطاء أوروبا وأطماعها هى التى ادخلت العالم في حربين عالميين وهى على وشك دخول حرب عالمية ثالثة حسب تصريح رئيس الوزراء الاوكراني ارسيني ياتسينيوك الذى أتهم روسيا بأنها تريد اشعال الحرب العالمية الثالثة باحتلالها أوكرانيا عسكريا وسياسيا وخلق صراع يمتد إلى بقية أرجاء أوروبا، فالأزمة الأوكرانية خير دليل على تهافت القيم التى تروج لها الديموقراطيات الغربية .
خطبة تونى بليردليل جديد على ازدواجيه الغرب وتبدو نصائحه كالنكت السمجة، وأريد هنا أن أباد له النصيحة : ربيتم الحية وتشكون الآن من لدغاتها، فالاسلام المتطرف هو صنعيتكم ،ارفعوا ايديكم عن الشرق الأوسط، ويكفينا ما جلبتوه من شر، فمن يصدق الغراب حين يحمل غصن الزيتون.
مي عزام
EKTEBLY@HOTMAIL.COM