دائما ما يقولون إنه الرأى العام الذى لا رأى قبله ولا بعده، على الفور يطلبون حق اللجوء إلى مراكز الاستقصاء التى تؤكد ما يريدونه.
وبرغم أن كثيرا من تلك الدراسات تنقصها الأسس العلمية للوصول إلى نتائج يعتد بها، فإننى سوف أذهب إلى ما هو أبعد، وهو أن هذه النتائج بالفعل تعبر بالضبط عن مشاعر الناس فى اللحظة الراهنة، فهل معنى ذلك أن الرأى العام دائما على صواب، وأنه يملك من المقومات ما يمنحه الثبات مع الزمن.
فى قضية «حلاوة روح»، لم تكن مفاجأة لمن يعيش مفتوح العينين ومنصت الأذنين إدراك أن الأغلبية من المصريين مع المصادرة للفيلم الذى يهز أركان الفضيلة وينتهك ثوابت الأمة.
لا أحد من الممكن أن يقول مثلا إن الأغلبية تقف إلى جانب عمل فنى متهم بالتجاوز الأخلاقى، الإحساس الجمعى فى تلك اللحظة ينتظر «أبو الوفا» ليوقف هذا التسيب وتلك المسخرة، التى تأتى من دار الفاسق الفاجر الذى يقطن فى خيمة الجيران المجاورة لخيمتنا.
الرأى العام طبقا للموسوعة يعنى تكوين فكرة تخص أعضاء جماعة أو أمة تشترك فى الرأى رغم تباينهم الطبقى أو الثقافى أو الاجتماعى، فهو إذن الرأى الغالب تجاه أمر يشغل الناس ويثار حوله فى العادة قدر من الجدل، ويجب أن نضع فى أثناء هذا الرصد الميل العام والحالة المزاجية للمجتمع فى تلك اللحظة الراهنة، بالتأكيد كل ما يصب فى اتجاه المحافظة على ما توارثناه هو ما تميل الأغلبية للتصديق عليه،
لأنه فى العادة يجنبها شر الدخول فى صراعات مع ثوابت انتقلت من جيل إلى جيل، إنها الرغبة فى الركون إلى الراحة وهى أن تتولى مثلا الدولة الدفاع عن الأخلاق وخط الدفاع الأول هو أن تزداد الرقابة شراسة وتحذف من البداية ما تراه يحمل تجاوزا أخلاقيا، وهذا بالطبع لا يحتاج إلى مجهود من الأسرة ولا يعنيهم أن كل شىء وما هو أكثر من «هيفاء» متوفر على النت بالمجان.
الناس فى العادة تريد من الذين تعودنا أن نطلق عليهم النخبة برغم ما يحمله هذا التوصيف من تعالٍ، إلا أننا سوف نلجأ إليه من أجل توصيل الفكرة، وهى أن الناس عندما تقرأ مقالا أو تتابع حديثا لأحد المشاهير هم يريدون لا شعوريا أن تؤكد ما لديهم لا أن تصدمهم فى ما يعتقدونه أنه الصواب، أغلب الفنانين والمثقفين يدركون أن رصيدهم من إعجاب الناس يتأثر سلبا أو إيجابا بعديد من المواقف التى يضعهم فيها الرأى العام تحت المجهر، ومن بعدها يقرر إذا كان سوف يزيد من مساحة الحب أو يخصم منها أو يلجأ إلى زر «ديليت» ويحذفك تماما من القائمة.
تلك هى الدوافع التى تجعل البعض يسارع بقراءة خريطة توجه الناس ويضبط الموجة فى هذا الاتجاه أو الاتجاه المعاكس، بناء على ما يريده الرأى العام. ولا أقول مثلا إن الجميع يفعلون ذلك ولكن من المؤكد أن قطاعا وافرا من الإعلاميين يرددون فى العادة ما تريد الناس أن تسمعه منهم، لأنهم يعلمون أن الرأى العام شديد القسوة قد يحبك اليوم لأنك تتوافق معه،
بل قد يحبك أكثر لو زدته من الشعر بيتا وتطرفت فى إعلان ذلك، فإذا كان الرأى العام مع إقصاء كل من انتمى للإخوان حتى لو لم يمارس العنف، ولكنه فقط انتمى يوما للجماعة الإسلامية، وأعلنت أنت أنك تطالب بإدخالهم جميعا ودون محاكمات للمعتقلات سوف تكسب ولا شك بنطًا.
عندما يعيش المجتمع فى حالة صخب يكسب صاحب الصوت الأعلى، وأعنى به الأكثر تطرفا، ويبقى فى المعادلة من تخونه شجاعته ويكتفى بالصمت أمام هذا السيل الجارف من الغضب، وعبر التاريخ تكتشف أن الصامتين يشكلون قسطا لا بأس به.
وفى لقائنا مع رئيس الوزراء وجدت بعض الكبار ينقلون دفة الحوار إلى مناطق أخرى أكثر أمانا بعيدا عن مناقشة مشروعية المصادرة وجدواها فى هذا الزمن، حتى لا يفقدون الرأى العام أو يدخلون فى خصومة مع الدولة.
الرأى العام هو «أبو الوفا»، ولكن ماذا لو «أحب القس سلامة وهو التقى الورع الطاهر»؟ فى هذه الحالة سيلعنون أبو الوفا وسنين أبو الوفا!!